فعلى هذا لا يكتفي بمجرد اعتزائه إلى العلم -ولو بمنصب تدريس أو غيره- لا سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه الجهل، وقل فيه طلب العلم، وتصدى فيه جهلة الطلبة للقضاء والفتيا، فتجد بعضهم يقضي ويفتي وهو لا يحسن عبارة الكتاب، ولا يعلم صورة المسألة، بل لو طولب بإحضار تلك المسألة -وهي في الكتاب- لم يهتدِ إلى موضعها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى استامها كل مفلس
قال في "شرح مختصر التحرير: ويلزم ولي الأمر منع من لم يعرف بعلم أو جُهل حاله من الفتيا. قال ربيعة: بعض من يفتي أحق بالضرب من السراق.
ولا تصح الفتيا من مستور الحال، وما يجيب به المقلد عن حكم فإخبار عن مذهب إمامه لا فتيا، قاله أبو الخطاب وابن عقيل والموفق، ويعمل بخبره إن كان عدلا، لأنه ناقل كالراوي.
ولعامي تقليد مفضول من المجتهدين عند الأكثر من أصحابنا، منهم القاضي وأبو الخطاب وصاحب "الروضة"، وقاله الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية، وقيل: يصح إن اعتقده فاضلا أو مساويا، لا إن اعتقده مفضولا لأنه ليس من القواعد أن يعدل عن الراجح إلى المرجوح.
وقال ابن عقيل١ وابن سريج والقفال والسمعاني: يلزمه الاجتهاد، فيقدم الأرجح، ومعناه قول الخرقي والموفق في "المقنع"، ولأحمد روايتان.
ويلزمه -إن بان له الأرجح- تقليده في الأصح، زاد بعض أصحابنا وبعض الشافعية: "في الأظهر، ويقدم الأعلم على الأورع"، ويخير في تقليد أحد مستويين عند أكثر أصحابنا.
قال في "الرعاية": ولا يكفيه من تسكن نفسه إليه، بل لا بد من سكون النفس والطمأنينة به. ويحرم عليه
١ ابن عقيل من كبار فقهاء الحنابلة والثلاثة الذين ذكروا بعده من كبار الشافعية.