للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العداوة ولأتباعه؛ وهؤلاء كثير منهم من مات على كفره، ومنهم من قتل ببدر وأحد والخندق.

ولا يمكن أحد له أدنى مسكة من عقل أن يقول: إن هؤلاء ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمكنه أيضا أن يقول: إنهم من خير أمة أخرجت للناس؛ فظهر بهذا الدليل الواضح أن خير الأمة هم المؤمنون، الذين استجابوا لله ولرسوله، من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهم الموصوفون في هذه الآية بقوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ١، فخص بالثناء على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وأنهم خصوص أهل الإيمان دون من عداهم من مشرك ومنافق ومرتاب، فليسوا من خير أمة ولا كرامة، بل هم شرار الأمة.

وقد بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على من تخلف عن الإيمان به، شرع الله الهجرة، وأمره بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وعانده.

ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد فيها ثلاث قبائل من اليهود: بني النضير، وبني قينقاع، وبني قريظة، وفيها من الأوس والخزرج من آمن به واتبعه، وفيهم أهل العقبة الذين بايعوه بمنى على أن يؤووه وينصروه، وفيهم من لم يؤمن به ويتبعه من المنافقين.

وقد بعثه الله تعالى إلى الأسود والأحمر من بني آدم كما قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ٢، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} ٣. وكل أهل الملل من اليهود والنصارى


١ سورة آل عمران آية: ١١٠.
٢ سورة الفرقان آية: ١.
٣ سورة الأعراف آية: ١٥٨.

<<  <   >  >>