فهذا سفيان بن عيينة يقول- وقد سئل عن أحاديت العجب والضحك-: (هي كما جاءت نقر بها، ونحدث بها بلا كيف) ، انظر: الصفات للدارقطني ٤٢حـ ٦٣. وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث ابن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك فقالوا: امضها بلا كيف انظر: الصفات للدارقطني ٤٤حـ٦٧. وقد ثبت عن الإمام مالك بن أنس وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن قولهم في الاستواء: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب) وقد تقدم تخريج هذا القول عنهما. ومقصود السلف رحمهم الله بقولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف: إثبات حقيقة معاني ألفاظها والإيمان بها، مع نفي علمهم بكيفيتها. وليس المقصود أنهم يؤمنون باللفظ من غير فهم لحقيقة معناه. فهم يفهمون حقيقة معاني هذه الألفاظ الواردة في الصفات كالاستواء والضحك ويؤمنون بذلك على ما يليق بالله سبحانه وتعالى، ويفوضون في الكيفية فقط. يقول شخ الإسلام ابن تيمية: (ولو كانوا يؤمنون باللفظ المجرّد من غير فهم لمعناه لما قالوا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول) ولما قالوا:"أمروها كما جاءت بلا كيف" فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهول. ثم قال: وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية. إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضا: فإن من ينفي الصفات لا يحتاج إلى أن يقول: (بلا كيف) فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول: (بلا كيف) فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا (بلا كيف) . وأيضا: فقولهم أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإن هذه الألفاظ جاءت دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: "أمرّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم غير مراد" أو "أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلّت عليه حقيقة" انظر: الفتوى الحموية ص ١١٢ ضمن مجموعة نفائس.