ومن هنا فقد ألم الآجري - رحمه الله - بعلم الحديث إلماماً كبيراً نحكم من خلاله على مدى تمكنه فيه فنراه البادئ بالسؤال في جزئيات هذا الكتاب، بل وعن أمور ذات قيمة كبيرة في مجال النقد الحديثي، كما أن اختلاف طبيعة الأسئلة وتنوعها لدليل على غزارة علمه فيه، ولم يقتصر الآجري على البدء بالسؤال فحسب بل كان أحياناً يقوم بتفسير وتوضيح ما قد يشكل أو يصعب فهمه من عبارات أبي داود، وفي بعض الأحايين بدلي بما عنده من معلومات إذا اقتضت الحاجة، وهذه الأمور لا تصدر إلا عن عالم متمكن في هذا الفن.
على أن هناك أمراً لا يمكن إغفاله، وهو تصنيف الآجري لكتاب السؤالات على البلدان ليكون بذلك سهل الاستخدام، الأمر الذي يدل بوضوح على إحاطته بفن التصنيف، وهو فن ذو أهمية كبرى، والآجري ليس مبتدعاً لهذا بل سبقه باستعماله آخرون، ولكن اختياره لهذا النوع من التصنيف إنما يدل على عقلية فذة وذوقٍ فنيٍ رفيع.
توثيقه:
لم أوفق في الحصول على عبارة صريحة في تعديل الآجري، إذ لم يترجم له أحد فيما أعلم حتى يذكر ما يفيد ذلك، إلا ما قاله الأئمة كالمزي والذهبي وابن حجر في ذكرهم لتلاميذ أبي داود حيث قالوا: وأبو عبيد الآجري الحافظ، وهذه الكلمة وإن كانت لا تدل على توثيق عند أئمة هذا الشأن فهي رتبة علمية رفيعة قل من يحصل عليها، ولكن إطلاق الحفاظ عليه لقب صاحب أبي داود - رحمه الله -، وهو الإمام الناقد المعتد بقوله ليفيد أن أبا داود قد رضي به في دينه وخلقه، واطمأن إليه لما وجد فيه من أهلية علمية تؤهله لأن يحتل هذه المكانة لديه.
هذا بالإضافة إلى أن الأئمة اعتدوا بما نقله عن أبي داود وعملوا به على وجه التسليم، وعلى أية حال فمن الصعب أن أجزم بتوثيقه وإن كنت أشم رائحة ذلك.