في المعرفة ولم يحسن الخلاف بينهم فيه والمعلوم غير ذلك ولو كان عليه دليل لكان من ناحية حكم يظهر له ويتوصل به إلى إثباته كما يتوصل بأحكام الذوات إلى إثباتها ومعلوم أنه لا حكم يمكن أن يشار إليه في هذا الباب.
فإن قيل: الصوت المسموع طريق إلى إثبات الكلام القائم في النفس قلنا: ليس يخلو من أن يكون طريقاً إليه بأن يعلم عنده أو يستدل به عليه فإن كان الأول وجب أن يعلم كل من سمع الكلام الذي هو الصوت الواقع على بعض الوجوه شيئاً آخر عنده ومعلوم خلاف ذلك وأن كان يستدل به عليه فالكلام المسموع إنما يدل على ما لولاه لما حدث وهو القدرة أو ما لولاه لم يقع على بعض الوجوه وهو العلم والإرادة. فأما ما سوى ذلك فلا دلالة عليه لنفي التعلق.
فإن قيل: كل عاقل يجد في نفسه عند الكلام أمراً يطابقه ويدبر في نفسه ما يريد أن يتكلم به حتى يخطب الخطبة وينشد القصيدة من غير أن يحرك لشيء من ذلك جارحة بحال من الأحوال وذلك يبين أن الكلام معنى قائم في النفس: قلنا: كل أمر يجده الإنسان من نفسه عند الكلام معقول وهو العلم بكيفية ما يوقعه منه أو الظن له أو إرادة ذلك والداعي إلى فعل الكلام أو الفكر والروية في إيقاعه وكيفية فعله. فإن أشير إلى بعض ما ذكرناه بالكلام صح المعنى وعاد الخلاف إلى عبارة. وأن أريد غيره فليس بمعقول. وههنا جواب آخر: وذلك أن الإنسان يفعل كلاماً خفياً في داخل صدره ويقطعه بالنفس فيكون كلاماً بالحقيقة وأن كان غير مسموع له.
ثم إن أحدنا قد يحدث نفسه بنسج ثوب أو بناء دار فيظن لها أن ذلك مصور في نفسه قبل الفعل وليس يجب لذلك أن يكون البناء أو النساجة معنى في النفس بل ذلك علم بكيفية أيقاع كل واحد منهما حسب ما بيناه في الكلام.