للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأجسام غير مدركة بالسمع مما لا يمكن دخول شبهة فيه ولا منازعة. والذي يدل على تماثل الأجسام: أنا ندرك الجسمين المتفقى اللون فيلتبس أحدهما علينا بالآخر لأن من أدركهما ثم أعرض عنهما وأدركهما من بعد يجوز أن يكون كل واحد منهما هو الآخر بأن نقل إلى موضعه ولم يلتبسا على الإدراك إلا لآشتراكهما في صفة تناولها الأدراك وقد بينا أن الإدراك إنما يتناول أخص صفات الذات وهو ما يرجع إليها وسندل على ذلك. وإذا كان الجسمان مشتركين فيما يرجع إلى ذاتيهما فهما متماثلان لأن هذا هو المستفاد بالتماثل.

فإن قيل: دلوا على أنهما لم يلتبسا إلا للاشتراك في صفة ثم بينوا أن تلك الصفة مما يتناوله الآدراك. قلنا: الوجوه التي يقع فيها الالتباس معقولة وهي المجاورة أو الحلول. كالتباس خضاب اللحية بالشعر من حيث المجاورة. وكما التبس على من ظن أن السواد الحال في الجسم صفة له من حيث الحلول. وكذلك من اعتقد أن صفة المحل للحال. حتى ذهب إلى أن للسواد حيزاً وكلا الأمرين منتف في التباس الجسمين لأنه لا حلول بينهما ولا مجاورة بل يقع الالتباس مع العلم بتغايرهما. فدل ذلك على ما ذكرناه.

فأما الدليل على أن الصفة التي اقتضت الالتباس مما يتناوله الإدراك فهو أن الأمر لو كان بخلاف ذلك لما التبسا على الإدراك وفي التباسهما عليه دلالة على تعلق الإدراك بما التبسا لأجله ولأن المشاركة فيما لا يتعلق الإدراك به لا يقتضى الاشتباه على المدرك. ألا ترى أن السواد لا يشبه البياض ويلتبس به عند المدرك وأن اشتركا في الوجود من حيث كان الإدراك لا يتعلق بالوجود.

وليس لأحد أن يقول: إذا أستدللتم على أن الأجسام متماثلة بالتباسها على الإدراك فقولوا: إن الأجسام التي لا تلتبس كالأبيض والأسود غير

<<  <   >  >>