وفي كتب التفسير المسندة قطعة كبيرة من ذلك، مثل تفسير عبد الرزاق، وعبد بن حميد، ودُحَيْم وسُنَيْد، وابن جرير الطبري، وأبي بكر بن المنذر، وتفسير عبد الرحمن ابن أبي حاتم، وغير ذلك من كتب التفسير، التي ينقل فيها ألفاظ الصحابة والتابعين، في معاني القرآن بالأسانيد المعروفة.
فإن معرفة مراد الرسول ومراد الصحابة هو أصل العلم، وينبوع الهدى، وإلا فكثير ممن يذكر مذهب السلف ويحكيه لا يكون له خبرة بشيء من هذا الباب، كما يظنون أن مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها. أنه لا يفهم أحد معانيها؛ لا الرسول ولا غيره، ويظنون أن هذا معنى قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ}[آل عمران: ٧] مع نصرهم للوقف على ذلك؛ فيجعلون مضمون مذهب السلف أن الرسول بلغ قرآنًا لا يفهم معناه، بل تكلم بأحاديث الصفات وهو لا يفهم معناها، وأن جبريل كذلك، وأن الصحابة والتابعين كذلك.
وهذا ضلال عظيم، وهو أحد أنواع الضلال في كلام الله والرسول صلى الله عليه وسلم، ظن أهل التخييل، وظن أهل التحريف والتبديل، وظن أهل التجهيل. وهذا مما بسط الكلام عليه في مواضع، والله يهدينا وسائر إخواننا إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والمقصود هنا الكلام على من يقول: ينزل ولا يخلو منه العرش، وإن أهل الحديث في هذا على ثلاثة أقوال:
منهم من ينكر أن يقال: يخلو، أو لا يخلو، كما يقول ذلك الحافظ عبد الغني وغيره.
ومنهم من يقول: بل يخلو منه العرش، وقد صنف عبد الرحمن بن منده مصنفًا في الإنكار على من قال: لا يخلو من العرش، أو لا يخلو منه العرش ـ كما تقدم بعض كلامه.
وكثير من أهل الحديث يتوقف عن أن يقول: يخلو أو لا يخلو. وجمهورهم على أنه لا يخلو منه العرش. وكثير منهم يتوقف عن أن يقال: يخلو أو لا يخلو؛ لشكهم في ذلك، وأنهم لم يتبين لهم جواب أحد الأمرين، وإما مع كون الواحد منهم قد ترجح عنده أحد الأمرين