موروثا كم عللت بكفيك عليلا كم مرضت مريضا بيديك تبتغى له الشفاء وتستوصف له الأطباء ثم لم تنفعه شفاعتك ولم تسعفه طلبتك مثلت لك الدنيا غداة مصرعه مصرعك ومضجعه مضجعك ثم التفت الى المقابر فقال يا أهل الغربة ويا أهل التربة أما الدور فسكنت وأما الاموال فقسمت وأما الأزواج فنكحت فهذا خبر ما عندنا فهاتوا خبر ما عندكم ثم التفت الينا فقال أما لو أذن لهم لأخبروكم ان خير الزاد التقوى
فالدنيا فى الحقيقة لا تذم وانما يتوجه الذم الى فعل العبد فيها وهى قنطرة أو معبر إلى الجنة أو الى النار ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ والغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة فصار هذا هو الغالب على أهلها وما فيها وهو الغالب على اسمها صار لها اسم الذم عند الاطلاق والا فهى مبنى الاخرة ومزرعتها ومنها زاد الجنة وفيها اكتسبت النفوس الايمان ومعرفة الله ومحبته وذكره ابتغاء مرضاته وخير عيش ناله أهل الجنة فى الجنة انما كان بما زرعوه فيها وكفى بها مدحا وفضلا لأولياء الله فيها من قرة العيون وسرور القلوب وبهجة النفوس ولذة الارواح والنعيم الذى لا يشبهه نعيم بذكره ومعرفته ومحبته وعبادته والتوكل عليه والانابة اليه والانس به والفرح بقربه والتذلل له ولذة مناجاته والاقبال عليه والاشتغال به عمن سواه وفيها كلامه ووحيه وهداه وروحه الذى ألقاه من أمره فأخبر به من شاء من عباده ولهذا فضل ابن عقيل وغيره هذا على نعيم الجنة وقالوا هذا حق الله عليهم وذاك حظهم ونعيمهم وحقه أفضل من حقهم قالوا والايمان والطاعة أفضل من جزائه والتحقيق أنه لا يصح التفضيل بين أمرين فى دارين مختلفين ولو أمكن اجتماعهما فى دار واحدة لأمكن طلب التفضيل والايمان والطاعة فى هذه الدار أفضل ما فيها ودخول الجنة والنظر إلى وجه الله جل جلاله وسماع كلامه والفوز برضاه أفضل ما فى الاخرة فهذا أفضل ما فى هذه الدار وهذا أفضل ما فى الدار الاخرى ولا يصح أن يقال فأى الامرين أفضل فهذا أفضل الاسباب وهذا أفضل الغايات وبالله التوفيق