ذلك ويكابر ويقول بل محبته ومعاشرته هى الصواب فلما أخذه وليه ليعاقبه على ذلك وتيقن العقوبة تمنى أن يعفى من العقوبة وأنه لا يجتمع به بعد ذلك وفى قلبه من محبته والحرص على معاشرته ما يحمله على المعاوده بعد معاينة العقوبة بل بعد أن مسته وأنهكته فظهر له عند العقوبة ما كان يخفى من معرفته بخطئه وصواب ما نهاه عنه ولو رد لعاد لما نهى عنه
وتأمل مطابقة الاضراب لهذا المعنى وهو نفى قولهم انا لو رددنا لآمنا وصدقنا لأنه ظهر لنا الآن أن ما قاله الرسل هو الحق أى ليس كذلك بل كنتم تعلمون ذلك وتعرفونه وكنتم تخفونه فلم يظهر لكم شئ لتكونوا عالمين به لتعذروا بل ظهر لكم ما كان معلوما وكنتم تتواصون بإخفائه وكتمانه والله أعلم
ولا تستطل هذا الفضل المعترض فى أثناء هذه المسألة فلعله أهم منها وأنفع وبالله التوفيق فلنرجع الى تمام الكلام فيها
وقوله {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} جوابه محذوف دل عليه ما تقدم أى لما ألهاكم التكاثر وانما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لما فقد منكم علم اليقين وهو العلم الذى يصل به صاحبه الى حد الضروريات التى لا يشك ولا يمارى فى صحتها وثبوتها ولو وصلت حقيقة هذا العلم الى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه ويرتب أثره عليه فإن مجرد العلم بقبح الشئ وسوء عواقبه قد لا يكفى فى تركه فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد فاذا صار عين يقين كجملة المشاهدات كان تخلف موجبه عنه من أندر شئ وفى هذا المعنى قال حسان بن ثابت رضى الله عنه فى أهل بدر:
سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
وقوله {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} قيل تأكيد لحصول العلم كقوله {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} وقيل ليس