للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما ذكره عن الحسن أنه لا يسأل عن النعيم الا أهل النار فباطل قطعا اما عليه واما منه والاحاديث الصحيحة الصريحة ترده وبالله التوفيق

ولا يخفى أن مثل هذه السورة مع عظم شأنها وشدة تخويفها وما تضمنته من تحذير الملهى وانطباق معناها على أكثر الخلق يأبى اختصاصها من أولها الى آخرها بالكفار ولا يليق ذلك بها ويكفى فى ذلك تأمل الاحاديث المرفوعة فيها والله أعلم

وتأمل ما فى هذا العتاب الموجع لمن استمر على الهاء التكاثر له مدة حياته كلها الى أن زار القبور ولم يستيقظ من نوم الالهاء بل أرقد التكاثر قلبه فلم يستفق منه الا وهو فى عسكر الأموات وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق يتبين لك أن العموم مقصود وتأمل تعليقه سبحانه الذم والوعيد على مطلق التكاثر من غير تقييد بمتكاثر به ليدخل فيه التكاثر بجميع أسباب الدنيا على اختلاف أجناسها وأنواعها وأيضا فان التكاثر تفاعل وهو طلب كل من المتكاثرين أن يكثر صاحبه فيكون أكثر منه فيما يكاثره به والحامل له على ذلك توهمه أن العزة للكاثر كما قيل:

ولست بالأكثر منهم حصى ... وانما العزة للكاثر

فلو حصلت له الكثرة من غير تكاثر لم تضره كما كانت الكثرة حاصلة لجماعة من الصحابة ولم تضرهم اذ لم يتكاثروا بها وكل من كاثر انسانا فى دنياه أو جاهه أو غير ذلك شغلته مكاثرته عن مكاثرة أهل الآخرة فالنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية انما تكاثر بما يدوم عليها نفعه وتكمل به وتزكو وتصير مفلحة فلا تحب أن يكثرها غيرها فى ذلك وينافسها فى هذه المكاثرة ويسابقها اليها فهذا هو التكاثر الذى هو غاية سعادة العبد وضده تكاثر أهل الدنيا بأسباب دنياهم فهذا تكاثر مله عن الله والدار الاخرة هو صائر الى غاية القلة فعاقبة هذا التكاثر قل وفقر وحرمان والتكاثر بأسباب السعادة الاخروية تكاثر لا يزال بذكر بالله ولقائه وعاقبته الكثرة الدائمة التى لا تزول ولا تفنى وصاحب هذا

<<  <   >  >>