للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم -رحمه الله-: وأطيب العيش وألذّه على الإطلاق عيش المحبّين المشتاقين المستأنسين، فحياتهم هي الحياة الطيبة في الحقيقة، ولا حياة للعبد أطيب ولا أنعم ولا أهنأ منها. وهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧] وليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، من طيب المأكل والملبس والمشرب والمنكح؛ بل ربما زاد أعداء الله على أوليائه في ذلك أضعافًا مضاعفةً. وقد ضمن الله سبحانه لكلّ من عمل صالحًا أن يحييه حياة طيبة، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده. وأيّ حياة أطيب من حياة مَنْ اجتمعت همومه كلّها، وصارت همًّا واحدًا في مرضاة الله، ولَمَّ شعثَ قلبه بالإقبال على الله، واجتمعت إراداته وأفكاره التي كانت منقسمةً -بكل وادٍ منها شعبة- على الله. فصار (ذكرُ محبوبه الأعلى، وحبّه، والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه)، هو المستولي عليه. وعليه تدور همومه وإراداته وقصوده، بل خطرات قلبه. فإن سكت سكت بالله، وإن نطق نطق بالله. وإن سمع فبه يسمع، وإن أبصر فبه يبصر. وبه يبطش، وبه يمشي، وبه يتحرك، وبه يسكن. وبه يحيا، وبه يموت، وبه يبعث ا. هـ (١)

وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: وأما الشوق إِلَى لقاء اللَّه في الدُّنْيَا فهو أعظم لذّة تحصل للعارفين في الدُّنْيَا، فمن أنس باللَّه في الدُّنْيَا واشتاق إِلَى لقائه، فقد فاز بأعظم لذّة يمكن لبشر الوصول إليها في هذه الدار … وأهل الشوق إِلَى الله عَلَى طبقتين: أحدهما: من يفضي بهم الشوق إِلَى القلق والأرق، ويقل صبرهم عن طلب اللقاء … والثانية: من أعطاه الله بعد بلوغه إِلَى درجة الشوق إِلَيْهِ الأنس به والطمأنينة إِلَيْهِ، فسكنت قلوبهم بما كشف لها من آثار قربه ومشاهدته، ووجدوا لذّة الأنس به في الذكر والطاعة، وصار عيشهم مع اللَّه في نعيم سرمدي، وطاب لهم السير إِلَيْهِ في الدُّنْيَا بالطاعات. وهذه كانت حال نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ا. هـ (٢)

[اقتران اللذة بالنظر، والشوق باللقاء]

واقتران اللذة بالنظر، والشوق باللقاء، يعني: أنك تسأل الله تعالى لذة النظر إلى وجهه


(١) ينظر: «الداء والدواء = الجواب الكافي - ط عطاءات العلم» (١/ ٤٣٨)
(٢) «شرح حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه-» (ص ١٨١)

<<  <  ج: ص:  >  >>