للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذي صُنِع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا. قيل له: فهل أعلمك الذي صاغَه بأنه صَاغ هذا زجاجاً؟ قال: لا، قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علمٌ رُزِقتُ، وكذلك نحنُ رُزقنا علماً، لا يتهيّأ لنا أن نُخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب، وهذا منكر إلا بما نعرفه" (١) .

وقال ابن حجر: "المعلّل وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به إلا من رَزَقه الله تعالى فهماً ثاقباً وحفظاً واسعاً ومعرفةً تامةً بمراتب الرواة، ومَلَكَةً قويّة بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل الشأن كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن أبي شيبة، وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني،. وقد تقصر عبارة المُعَلِّل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم" (٢) .

هذه نصوص جهابذة علم الحديث تدل على ما عانوه وعالجوه، وقد أخبروا عن تجربة وخبرة ومراس.

وهنا تنبيه: ينبغي أن نفهم كلام الأئمة: ابن مهدي وأبي حاتم وابن حجر في أنه قد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم - على وجهه الصحيح، وهو أنه قد يُعَلِّل المُعَلِّل ولا حجة له فيه، في حينه حتى يُقنِع المخاطب، فقد تحصَّل له ملكة قوية راسخة، حتى إنه بمجرد النظر في إسناد الحديث ومتنه تظهر له صحته أو ضعفه فيحكم في أول وهلة ببصيرته أنه صحيح أو معلول، ولكن إذا طلبت منه حجة فلابُدَّ أن يذكرها ويذكر تفاصيلها وأدلتها.


(١) تقدمة الجرح والتعديل (ص٣٤٩-٣٥١) .
(٢) نزهة النظر (ص٨٤) ، مكتبة الغزالي دمشق.

<<  <   >  >>