ولهذا ينبغي للمعلم إذا استفاد من الطالب، وفتح له الطالب شيئًا من أبواب العلم ينبغي له أن يشجع الطالب، وأن يشكره على ذلك؛ خلافًا لما يظنه بعض الناس أن الطالب إذا فتح عليه، وبيَّن له شيئًا كان خفيًّا عليه، تضايق المعلم، يقول هذا صبي يعلم شيخًا فيتضايق، ويتحاشى بعد ذلك أن يتناقش معه، خوفًا من أن يطلعه على أمر قد خفي عليه، وهذا من قصور علمه بل من قصور عقله. لأنه إذا منَّ الله عليك بطلبة يذكرونك ما نسيت ويفتحون عليك ما جهلت، فهذا من نعمة الله عليك، فهذا من فوائد نشر العلم أنه يزيد إذا علمت العلم كما قال القائل مقارنًا بين المال والعلم يقول في العلم:
يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص إن به كفًّا شددت
إذا شددت به كفًّا، وأمسكته نقص، أي تنساه، ولكن إذا نشرته يزداد. وينبغي للإنسان عند نشر العلم أن يكون حكيمًا في التعليم، بحيث يلقي على الطلبة المسائل التي تحتملها عقولهم فلا يأتي إليهم بالمعضلات، بل يربيهم بالعلم شيئًا فشيئًا. ولهذا قال بعضهم في تعريف العالم الرباني: العالم الرباني هو: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره. ونحن نعْلَمُ جميعًا أن البناء ليس يؤتى به جميعًا حتى يوضع على الأرض، فيصبح قصرًا مشيدًا بل يبنى لبنة لبنة، حتى يكتمل البناء، فينبغي للمعلم أن يراعي أذهان الطلبة بحيث يلقي إليهم ما يمكن لعقولهم أن تدركه،
ولهذا يؤمر العلماء أن يحدثوا الناس بما يعرفون. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إنك لن تحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة١.
كذلك أيضًا ينبغي للمعلم أن يعتني بالأصول والقواعد؛ لأن الأصول والقواعد هي التي يبنى عليها العلم. وقد قال العلماء:
من حُرم الأصول حُرم الوصول: أي لا يصل إلى الغاية إذا حرم الأصول،
١ صحيح موقوف رواه مسلم ٥. وابن عبد البر في جامع بيان العلم ٨٨٨, ٨٩٢. من عبد الله بن مسعود موقوفا.