للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، وفي أثناء الطريق، ذكر له أن فيها وباء وهو الطاعون، فوقف وجعل يستشير الصحابةـ رضي الله عنهم ـ فاستشار المهاجرين والأنصار واختلفوا في ذلك على رأيين ... وكان الأرجح القول بالرجوع، وفي أثناء هذه المداولة والمشاورة جاء عبد الرحمن بن عوف، وكان غائبًا في حاجة له، فقال: إن عندي من ذلك علمًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه، وإن وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه" ١.

فكان هذا الحكم خافيًا على كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، حتى جاء عبد الرحمن فأخبرهم بهذا الحديث.

مثال آخر: كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يريان أن الحامل إذا مات عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين، من أربعة أشهر وعشر.. أو وضع الحمل، فإذا وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر لم تنقض العدة عنده وبقيت حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشر من قبل أن تضع الحمل بقيت في عدتها حتى تضع الحمل٢ لأن الله تعالى يقول: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] .

ويقول: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] .

وبين الآيتين عموم وخصوص وجهي، وطريق الجمع بين ما بينهما عموم وخصوص وجهي، أن يؤخذ بالصورة التي تجمعهما، ولا طريق إلى ذلك إلا ما سلكه علي وابن عباس -رضي الله عنهما- ولكن السنة فوق ذلك. فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سبيعة الأسلمية أنها نفست بعد موت زوجها بليال فأذن لها رسول الله أن تتزوج٣. ومعنى ذلك أننا نأخذ بآية سورة الطلاق التي تسمى سورة النساء الصغرى، وهي عموم قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ


١ متفق عليه: رواه البخاري ٥٧٢٩. ومسلم ٢٢١٩. وأحمد ١/١٩٤.
٢ متفق عليه: رواه البخاري ٤٩٠٩, ٥٣١٨. ومسلم ١٤٨٥.
٣ سبق تخريجه.

<<  <   >  >>