وقد علمنا من دين الله أنَّ على عباده مع إيمانهم بحفظ ما تكفَّل حفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذلك الشيء، وأنه لا تنافي بين الأمرين" (١) .
وبعد رَدِّ دليلَيْ القائل بأن النهي هو المتأخر فهو الناسخ، والإذن بالكتابة هو المتقدم فهو المنسوخ، وأحاديث الإذن هي الناسخة، فآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإذن بكتابة الحديث، ويؤيد ذلك ما يلي:
١- ما روي عن ابن عباس أنه قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده".
فقد هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لأصحابه كتابا حتى لا يختلفوا من بعده، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بحق. فهذا منه صلى الله عليه وسلم نسخ للنهي السابق في حديث أبي سعيد.
٢- رُوي من طرق مختلفة أن أبا هريرة قال: " ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له ". فاستئذان عبد الله بن عمرو من النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث يدل على أن الكتابة كانت منهيا عنها في أول الأمر، وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالكتابة لما استأذنه، ولا خصوصية لعبد الله بن عمرو، وعليه فيمكن أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق