وأمَّا فقهُ البخاري فهو واضح من تراجمه التي وصفها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بكونها حيَّرت الأفكارَ وأدهشت العقولَ والأبصارَ، وبكونها بعيدةَ المنال منيعةَ المثال، انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه، واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه.
ومن أمثلة دقَّته في تراجمه قوله في كتاب الإجارة:"باب إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهرٍ أو بعد سنة جاز وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل" والمقصودُ من هذه الترجمة أنَّ مدة الإجارة لا يشترط فيها أن تكون تالية لوقت إبرام العقد، وأورد تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها (٢٢٦٤) في استئجار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه رجلاً من بنِي الدِّيل هادياً خرِّيتاً ودفعَا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال.