للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رآهما قويين نشيطين يجري دمهما في عروقهما صافيا رائقا وكأن كلا منهما يحاول أن يخرج من إهابه١ مرحا ونشاطا، رآهما راضيين بما قسم الله لهما من خشونة الملبس وجشوبة٢ المطعم فلا يتشهيان ولا يتمنيان ولا ينظران إلى ذلك القصر الشامخ المطل عليهما نظرات الهم والحسرة، سمعهما يتحدثان فأصغى إليهما فإذا البستاني يقول لزوجه: والله لو وهب لي هذا القصر برياضه وبساتينه، وآنيته وخرثيه٣، على أن تكون لي تلك الزوجة الخائنة الغادرة لفضلت العيش فوق صخرة في منقطع العمران، على البقاء في مثل هذا المكان، أقاسي تلك الهموم والأحزان، فقالت: لا أحسب أن سيدنا ينجو من خطر هذا المرض فقد مر به على حاله تلك عام كامل وهو يزداد كل يوم ضعفا ونحولا، قال: قد علمت أن الطبيب قد نفض يده من الرجاء فيه, وأضمر اليأس منه ولا عجب في ذلك فإنه ما زال يسرف على نفسه ويذهب بها المذاهب كلها حتى قتلها، قالت: ما أشقاه أكانت نفسه عدوة إليه فجنى عليها هذا الشقاء، وذلك البلاء، قال: ما كان عدوا لنفسه ولا كانت نفسه عدوة إليه ولكنه كان جاهلا


١ الإهاب الجلد.
٢ جشوبة المطعم خشونته.
٣ الخرثي أثاث البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>