لصنوف التشبيهات البديعة والاستعارات الدقيقة والمجازات الرائعة والكنايات المستطرفة وأمثال تيك مما لا ينطق به الناطق في أكثر مناحيه ومنازعه إلا عند ذهابه مذهب الخيال الشعري فشبه له, فسمى ما سمعه شعرا وسمى الناطق به شاعرا, وما هو بشاعر ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون.
ما كل موزون شعرا ولا كل ناظم شاعرا, فالوزن ملكة تعلق بالنفس من طول ترديد المنظوم والتغني به مقطعا تقطيعا يوازن تفاعيله فهو نغمة موسيقية, ولحن خاص من ألحان الغناء يتمثل في قول الملك الضليل١:
"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"
كما يتمثل في قول الخليل:"فعولن مفاعلين فعولن مفاعلن" ويتراءى في أوتار الحلق الناطق كما يتراءى في أوتار العود الصامت.
أما الشعر فأمر وراء الأنغام والأوزان, وما النظم بالإضافة إليه إلا كالحلى في جيد الغانية الحسناء, أو الوشي في ثوب الديباج المعلم، فكما أن الغانية لا يحزنها عطل جيدها والديباج لا يزري به أنه غير معلم, كذلك الشعر لا يذهب بحسنه ورُوائه أنه غير منظوم ولا موزون.
ذلك هو الفرق بين الشعر والنظم, وها أنت ترى أن لا صلة