للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلية وذخيرة وكسوة وآنية وأصبحت لا أملك درهما أبتاع به قارورة الدواء, ولا أجد مزقة أمسك بها قوائم هذا السرير المضطرب، وما قنع الدهر مني بذلك حتى رماني بالداهية الدهياء التي يصغر في جانبها كل عظيم من خطوبه ونكباته، فقد كتبت إلى والد الفتاة منذ شهر أصف له حالتي وأفضي إليه بذات نفسي, وأسأله أن يمدني وابنتي بقليل من القوت نمسك به تلك الصبابة التي أبقتها خطوب الأيام ورزاياها من أعظمنا وجلودنا, ولبثت أترقب رجع الكتاب كما يترقب الغريق سواد السفينة, فإني لجالسة في هذا المقعد أعد على الدهر ذنوبه إلي وسيئاته عندي فلا أفرغ من عقد إلا إلى عقد, ولا أنتهي إلا إلى حيث أبتدئ وقد جلست طفلتي بين يدي أتطلع إلى وجهها الساطع في ظلمات تلك الخطوب كما يتطلع الملاح في ظلماته إلى نجمة القطب إذا هجم علي ذلك الظالم الجبار فاختطف ابنتي من بين يدي من حيث لا أملك دفعا لما نابني, ولا أجد ما أذود به عن نفسي إلا زفرات لا يسمعها سامع وعبرات لا يرحمها راحم، فشعرت كأن أسهم الدهر التي كانت تروغ ههنا وههنا قد أصابت في هذه المرة المقتل, فبت ليلتي تلك كما يجب أن تبيت امرأة بائسة معدمة فجعها الدهر في نفسها بعد أن فجعها في زوجها وأبيها وولدها, فأصبحت لا تجد أمامها يدا تنبسط

<<  <  ج: ص:  >  >>