للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما اصْطُبِغَ به فإدامٌ، وكذا المِلْحُ لا الشِّواء.

===

والكثير، وإنما حَكَما بحنثِه إذا مات قبل أن يقضيه مع التمكن. ولعلهما أخذا من قوله تعالى: {إلى أجلٍ قريب} (١) .

ولنا أن كلاً منهما أمر إضافي فيعتبر فيهما العُرْف، وهو بما قلنا، إلا إذا كانت له نيةٌ فيُحمل عليه (وما اصْطُبِغَ به) بصيغة المفعول، أي غُمس فيه كالخل، والزيت، والمَرَق (فإدام) يحنث به إذا حلف لا يأكل بإدام (٢) .

(وكذا الملح لا الشِّواء) قال ابن الأنباري: الإدام ما يُطَيِّبُ الخبز ويُصلِحُه ويَلَتذُّ به الآكل، وهو يعم المائع وغيره. وأما الصِّبْغ فمختص بالمائع وهو ما يغمس فيه الخبز ويلوث به. وفي «النهاية»: وحاصل ذلك على ثلاثة أوجه: فالخل، والزيت، واللبن، والعسل، والزّبد وأمثالها مما يُصبغ به إدامٌ بالإجماع. والبِطيخ، والعنب، والتمر وأمثالها مما يؤكل وحده غالباً ليس بإدام باتفاق. واختلفوا في الجُبن، والبيض، واللحم، فجعلها محمد إداماً، وهو رواية عن أبي يوسف. وأبو حنيفة رحمه الله غير إدام، وهو رواية عن أبي يوسف أيضاً.

ولمحمد أنها تؤكل مع الخبز غالباً، فكانت تبعاً له، ولأبي حنيفة أن حقيقة التبعية بالاختلاط، وعدم الأكل وحده. ووافق محمداً مالك والشافعي واختاره أبو الليث، لأن الإدام مُشتق من الموادمة وهي الموافقة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمُغيرة حين خطب امرأةً: «انظر إليها، فإنه أحْرَى أنْ يُؤْدَم بينكما» (٣) ، أي يوافق. فما يُؤكل مع الخبز غالباً فهو موافقٌ له، فيكون إداماً. ويؤيده ما رُوي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم» وقال: «سيد إدامِكم اللحم»، رواه ابن ماجه (٤) . والجوزُ واللوزُ والبقلُ وسائر الفواكه ليس مما يُؤكل مع الخبز، فليس إداماً، إلا إذا تَعَارف أهل بلد أكلها تبعاً للخُبز، كأكل أهل الحجاز الكُرَّاث مع الخبز، وأهل مصر البصل معه، وهذا إذا لم تكن له نية وأما إذا كانت،


(١) سورة المنافقون، الآية: (١٠).
(٢) عبارة المخطوط: " … إِذا حلف لا يأتدم".
(٣) أخرجه الترمذي في سننه ٣/ ٣٩٧، كتاب النكاح (٩)، باب ما جاء في النظر إلى المخطوطة (٥)، رقم (١٠٨٧).
(٤) لفظ الحديث عند ابن ماجه في السنن ٢/ ١٠٩٩، كتاب الأطعمة (٢٩)، باب اللحم (٢٧)، رقم (٣٣٠٥): "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم".

<<  <  ج: ص:  >  >>