للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا إِخْبَارٌ بِتَرْكِ الْعَمَلِ دَائِمًا فِي مُعْظَمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ يَلِيهِمْ، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ١، كَمَا أَنَّهُ عَوَّلَ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ عَمَلِهِ.

وَقَدْ سُئِلَ عَنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ الَّذِي فِي الْمُفَصَّلِ، وَقِيلَ لَهُ: أَتَسْجُدُ أَنْتَ فِيهِ؟ فَقَالَ: "لَا". وَقِيلَ٢ لَهُ: إِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لَكَ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَالَ: "أَحَبُّ الْأَحَادِيثِ إِلَيَّ مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَجْتَمِعِ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ مِنْ حَدِيثِ النَّاسِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْآنُ، يَقُولُ اللَّهُ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آلِ عِمْرَانَ: ٧] ؛ فَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ خَطَرًا وَفِيهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ٣؛ فَكَيْفَ بِالْأَحَادِيثِ؟ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُجْتَمَعْ عَلَيْهِ"٤.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعَمَلَ بِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ النَّاسِخُ لِلْآخَرِ؛ إِذْ كَانُوا إِنَّمَا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ٥.


١ وانتصر لهذا ودافع عنه دفاعا قويا ابن العربي في "القبس" "٢/ ٥١٧-٥١٩"، قال في آخر مسألة الصيام عن الميت: "فأنت إن اتبعت حديثا واحدا دون أن تضربه بسائر الآيات والأحاديث وتستخلص الحق من بينها؛ فأنت ممن في قلبه زيغ، أو عليه رين، والذي تفطن له مالك رضي الله عنه تلقفه من عبد الله بن عمر تعليمًا لا تقليدًا".
قلت: وقد سبق استخلاص الحق في مسألة الصيام عن الميت بالتفرقة بين صيام النذر وغيره، وهو الراجح إن شاء الله تعالى.
٢ في "ط": "فقيل".
٣ هذا بناء على تفسير المحكم بالناسخ والمتشابه بالمنسوخ، أما على ما هو مشهور من أن المحكمات الواضحات؛ فلا يأتي استشهاد الإمام بالآية. "د".
٤ انظر مذهب مالك والخلاف عليه في هذه المسألة أو مناقشته فيها في: "الموطأ" "١/ ٢٠٧- رواية يحيى"، و"المنتقى" "١/ ٣٤٩" للباجي، و"شرح الزرقاني على الموطأ" "١/ ٣٧١"، "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" "١/ ٣٠٨"، و"الأم" "٧/ ١٨٧، ١٨٨".
وانظر أدلة المسألة في: "نصب الراية" "٢/ ١٨٢"، و"فتح الباري" "٢/ ٣٧٧"، و"الدراية" "١/ ٢١١"، و"شرح معاني الآثار" "١/ ٣٥٣"، و"عمدة القاري" "٧/ ٩٦"، و"التلخيص الحبير" "٢/ ٨".
٥ أصله من كلام لابن عباس تذكره كتب الأصول غالبا. وهو قوله: "كنا نأخذ بالأحدث =

<<  <  ج: ص:  >  >>