للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُخْصَةً، بَلْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْعَزِيمَةِ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا، أَوْ كَوْنِهَا تُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا؛ فَالطَّلَبُ مِنْ حَيْثُ النَّهْيُ عَنِ الْإِخْلَالِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ بِنَفْسِ الرُّخْصَةِ، وَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَمَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ١، وَنَحْوَ ذَلِكَ٢؛ فَالرُّخْصَةُ٣ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ هِي رُخْصَةٌ، فَلَيْسَتْ بِمُرْتَفِعَةٍ مِنَ الشَّرْعِ بِإِطْلَاقٍ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ جِهَتَيِ الطَّلَبِ وَالْإِبَاحَةِ، والله أعلم.


= ولكن الطلب من جهة غير جهة كونه رخصة؛ فجهة العزيمة ظاهرة من نفس الطلب وجهة الرخصة أنه حكم سهل انتقل إليه من حكم صعب مع بقاء دليل الصعب معمولا به في الجملة، وإنما قلنا في الجملة؛ لأنه ليس معمولا به في حق الشخص الذي طولب بالرخصة، ولا يخفى عليك أنهم اشترطوا بقاء العمل به في حق الشخص نفسه، وإلا لخرج عن كونه رخصة إلى كونه عزيمة، قال الأبهري: "إن المكلف إذا لم يبق مكلفا عند طرو العذر لم تثبت رخصة في حقه؛ لأن الرخصة إنما تكون في الأحكام التكليفية، والتكليف شرط لها فلا يكون عدم تحريم إجراء كلمة الكفر على لسان المكره رخصة؛ لأن الإكراه يمنع التكليف، ومثله يقال في الإكراه على إفطار رمضان، وإتلاف مال الغير عدم تحريمه ليس رخصة، يعني لأن الدليل القائم على التحريم ليس باقيا بالنسبة لهذا الشخص، فلا رخصة إلا حيث يبقى دليل الصعب معمولا به بالنسبة للشخص نفسه، وبهذا تعلم ما في هذا الجواب الثاني، هذا ولا يذهب عنك أنه عرف الرخصة بما ينطبق على هذا فقال: "ما شرع من الأحكام لعذر شاق استثناء عن حكم كلي"؛ فلا يرد عليه ما تقدم. "د".
١ أخرج مسلم في "صحيحه" "كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، ١/ ٣٩٣/ رقم ٥٦٠"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الصلاة، باب أيصلي الرجل وهو حاقن، ١/ ٢٢/ رقم ٨٩"، وأحمد في "المسند" "٦/ ٤٣، ٥٤، ٧٣" من حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ".
٢ كالصلاة في الأرض المغصوبة، يعني: فهناك جهتان تسلط على إحداهما الطلب والعزيمة، وعلى الأخرى الرخصة، كما توجه النهي والطلب في الصلاة في هذه المسائل على جهتين مختلفتين، ولامانع من ذلك ما دامت الجهة لم تتحد؛ فالغرض تقريب الجواب بذكر شبيه بالمقام. "د".
٣ هذا التفريع ظاهر على الجواب الأول، أما الثاني؛ فلم يبين فيه إلا أن الترخيص له جهة غير جهة الطلب، أما كونه مباحا في هذه الحالة؛ فإنه لم يبينه هنا اعتمادا على ما سبق، ولذا قال: "وقد مر بيان ... إلخ". "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>