للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِئْتَ١.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ غَيْرُ مُرَادٍ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ أَنَّ الْجُمْهُورَ أَوِ الْجَمِيعَ يَقُولُونَ: مَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ مَأْجُورٌ وَفِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِي تَرْجِيحَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؛ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ٢ من المواضع


١ ذهب فريق من أهل العلم إلى أن الكذب لا يجوز في شيء، وحملوا الكذب الذي وردت الرخصة به في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل لزوجته على معنى التورية والتعريض، ومن شهد رجلا يحرك لسانه بالكذب الصريح ولو ليتخذه وسيلة إلى قضاء مصلحة؛ فإنه يحس كيف أخذ مقام ذلك الرجل ينحط في نفسه، وكيف ابتدأت الثقة به تتداعى إلى انحلال، وهذا ما ينبهك على أن الشريعة لا تأذن بالكذب؛ إلا أن تضيق على الرجل دائرة المعاريض، ويضطر إليه في مثل تخليص النفس البريئة من ظالم يريد إتلافها، ولعل السياسي يرى أنه أحرى بهذه الرخصة حيث يضطر إليها في إحياء أمة أو إنقاذها من قارعة الاستعمار، والمخلص من الكذب في حديث الزوجة أن يعدها بالعطية في قوة العازم وينوي في ضميره التعليق على تقدير الله ومشيئته. "خ".
٢ تقدم له في مباح المباح أن الصبر على عدم ذكر الكلمة مندوب، إلا أنه يبقى الكلام في قوله: "فكذلك غيره" الذي يقتضي أن الجمهور أو الكل قائلون بأن ترك الرخصة أفضل، مع أن أبا حنيفة يقول بوجوب القصر والفطر، وتسمى رخصة إسقاط بحيث لا يصح منه الإتمام والصيام، والشافعي يقول: إذا زادت المسافة عن مرحلتين؛ كانا أفضل من الصيام والإتمام، قال عياض في "الإكمال": "كون القصر سنة هو المشهور من مذهب مالك وأكثر أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف"، ونص المالكية على أن رخصة الجمع بين الظهرين والعشاءين للمسافر رخصة جائزة والجائز بمعنى التخيير؛ فانظر هذا مع ما قاله المؤلف. "د".
قلت: وقد صرح بعض المالكية أن الجمع بين الظهرين والعشاءين سنة، فقال ابن العربي في "القبس" "١/ ٣٢٦-٣٢٧": "لا يطمئن إلى الجمع ولا يفعله إلا جماعة مطمئنة النفوس بالسنة، كما لا يكع -أي: يبتعد وينحي- عنه إلا أهل الجفاء والبداوة".
انظر: "التاج والإكليل" "٢/ ١٥٦"، و"الفواكه الدواني" "١/ ٢٧١"، و"أسهل المدارك" "١/ ٢٣٧"، وكتابي "الجمع بين الصلاتين في الحضر" "ص١١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>