للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا مَجَالٌ رَحْبٌ، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، فَلْنَذْكُرْ جُمَلًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ طَرَفٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ.

فَأَمَّا الْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ؛ فَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ أَوْلَى لِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا:

أَنَّ الْعَزِيمَةَ هِيَ الْأَصْلُ الثَّابِتُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَوُرُودُ الرُّخْصَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ أَيْضًا؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مَقْطُوعًا بِهِ فِي الْوُقُوعِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُتَرَخِّصٍ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ إِلَّا فِي الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ١، وَمَا سِوَاهُ لَا تَحَقُّقَ فِيهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ؛ فَإِنَّ مِقْدَارَ الْمَشَقَّةِ الْمُبَاحَ مِنْ أَجْلِهَا التَّرَخُّصُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ قَدِ اعْتُبِرَ فِي مَسَافَتِهِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَأَكْثَرَ، كَمَا اعْتُبِرَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ، وَعِلَّةُ الْقَصْرِ الْمَشَقَّةُ، وَقَدِ اعْتُبِرَ فِيهَا أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَشَقَّةِ، وَاعْتُبِرَ فِي الْمَرَضِ أَيْضًا أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؛ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَفْطَرَ لِوَجَعِ أُصْبُعِهِ، كَمَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ فِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَاعْتَبَرَ آخَرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَجَالِ الظُّنُونِ لَا مَوْضِعَ فِيهِ لِلْقَطْعِ، وَتَتَعَارَضُ فِيهِ الظُّنُونُ، وَهُوَ مَحَلُّ التَّرَجُّحِ٢ وَالِاحْتِيَاطِ؛ فَكَانَ مِنْ مُقْتَضَى هَذَا كُلِّهِ أَنْ لَا يُقْدَمَ عَلَى الرُّخْصَةِ مَعَ بَقَاءِ احتمال في السبب.


= غير كونه محبوبا للشارع ومطلوبا ومثابا عليه؛ فلينظر ما هو معنى كونه أولى وأرجح في نظر الشارع غير هذه المعاني؛ حتى لا يتنافى كلامه هنا مع كلامه في المباح فيا سبق؛ فقد يقال: إن مراده بالترجح الأخذ بما هو أحوط فقط وإن لم يكن بالغا مبلغ الاستحباب والثواب عليه؛ كما يشير إليه قوله: "وهو محل الترجح والاحتياط"، ولكن يبقى الكلام في الأدلة الآتية، وسيأتي له في آخر المسألة السابعة قبل الفصل الأول أن الأحروية في الأخذ بالعزيمة تارة تكون بمعنى الندب وتارة تكون بمعنى الوجوب؛ فتنبه للتوفيق بين كلامه في هذه المواضع؛ فإنه يحتاج إلى فطنة وقوة ذاكرة للجمع بين أطراف الكلام في هذا المقام الذي طالت جولته فيه. "د".
١ وهو ما ألحق بالعزائم بقسميه، وقوله: "وما سواه" هو القسم الثالث. "د".
٢ في "ماء": "الترجيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>