للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ تَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ... } إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ حَيْثُ قَالَ: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَابِ: ١٠-٢٣] ؛ فَمَدَحَهُمْ بِالصِّدْقِ مَعَ حُصُولِ الزِّلْزَالِ الشَّدِيدِ وَالْأَحْوَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي بَلَغَتِ الْقُلُوبُ فِيهَا الْحَنَاجِرَ١ وَقَدْ عَرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يُعْطُوا الْأَحْزَابَ مِنْ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ؛ لِيَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ فَيَخِفَّ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ؛ فَأَبَوْا مِنْ ذَلِكَ، وَتَعَزَّزُوا بِاللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ٢؛ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَدْحِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.

وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ الرَّأْيُ مِنَ الصَّحَابَةِ, رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ- اسْتِئْلَافُهُمْ بِتَرْكِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ مَنَعَهَا مِنْهُمْ؛ حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَمْرُ الْأُمَّةِ، ثُمَّ يَكُونُ مَا يَكُونُ؛ فَأَبَى أَبُو بكر -رضي الله عنه-


١ جمع حنجور بالضم؛ أي: الحلقوم. "ماء".
٢ أخرج البزار في "مسنده" "رقم ١٨٠٣- زوائده"، والطبراني بإسناد فيه محمد بن عمرو -وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات؛ كما في "مجمع الزوائد" "٦/ ١٣٢"- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء الحارث الغطفاني إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا محمد! شاطرنا تمر المدينة. فقال صلى الله عليه وسلم: "حتى أستأمر السعود ". فبعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن مسعود، وسعد بن خيثمة؛ فقال: "إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وأن الحارث سألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا في أمركم بعد ". فقالوا: يا رسول الله! أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك وهواك؟ فرأينا نتبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا؛ فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو ذا تسمعون ما يقولون ". قالوا: غدرت يا محمد، فرد عليهم حسان بن ثابت بأبيات من الشعر.
وانظر: "شرح الزرقاني على المواهب" "٣/ ١٣١".

<<  <  ج: ص:  >  >>