للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث:

أن مجموع الحاجيات والتحسينات يَنْتَهِضُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الضَّرُورِيَّاتِ١، وَذَلِكَ أَنَّ كَمَالَ الضَّرُورِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ضَرُورِيَّاتٌ إِنَّمَا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ حَيْثُ يَكُونُ فِيهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ سَعَةٌ وَبَسْطَةٌ، مِنْ غَيْرِ تَضْيِيقٍ وَلَا حَرَجٍ وَحَيْثُ يَبْقَى مَعَهَا خِصَالُ مَعَانِي٢ الْعَادَاتِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مُوَفَّرَةَ الْفُصُولِ، مُكَمَّلَةَ الْأَطْرَافِ، حَتَّى يَسْتَحْسِنَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعُقُولِ، فَإِذَا أَخَلَّ بِذَلِكَ، لَبِسَ قِسْمُ الضَّرُورِيَّاتِ لِبْسَةَ الْحَرَجِ وَالْعَنَتِ٣، وَاتَّصَفَ بِضِدِّ مَا يُسْتَحْسَنُ فِي الْعَادَاتِ، فَصَارَ الْوَاجِبُ الضَّرُورِيُّ مُتَكَلَّفَ الْعَمَلِ، وَغَيْرَ صَافٍ فِي النَّظَرِ الَّذِي وُضِعَتْ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَا وُضِعَتْ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: "بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" ٤، فَكَأَنَّهُ لَوْ فرض فقدان المكملات،


١ قرر فيما سبق "١/ ٢٠٦" أن الأحكام تختلف بحسب الكلية والجزئية، فقد يكون الفعل مباحًا بالجزء لكنه واجب أو مندوب بالكل.... وبهذا الميزان قرر هذا الكلام، وشبيه به نجده عند الجويني في "البرهان" "٢/ ٩٢٣" حيث يرى مثلا أن البيع يعتبر من الضروريات بالنظر إلى العموم، بحيث "إن الناس لو لم يتبادلوا ما بأيديهم، لجر ذلك ضرورة ظاهرة، فمستند البيع إذا آيل إلى الضرورة الراجعة إلى النوع والجملة"، أي أنه من حيث الجزء "بالنسبة للفرد للواحد"، إنما هو من الحاجيات، ولكنه بالنسبة إلى مجموع الناس أمر ضروري، فهذه الفكرة عند الجويني بذرة، وعند المصنف شجرة، إذ صقلها ووضحها وطورها ووسعها.
٢ في "ط": "محاسن".
٣ في "خ": "الحرج والمشقة".
٤ أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "٧/ ١٨٨" و"الأدب المفرد" "رقم ٢٧٣".
وأحمد في المسند" "٢/ ٣٨١ط، والبرجلاني في "الكرم والجود" "رقم ١" وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "١/ ١٩٢" والبزار في "مسنده" "رقم ٢٤٧٠- زوائده"، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" "١٣"، والحاكم في "المستدرك" "٢/ ٦١٣"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "١٠/ ١٩١-١٩٢" و"الشعب" "٦/ ٢٣٠، ٢٣١"، والسمعاني في "أدب الإملاء" "ص ٢٥".
وتمام في "الفوائد" "رقم ١٠٧٠- ترتيبه"، جميعهم من طرق عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق".
وإسناده حسن، قال الهيثمي في "المجمع" "٩/ ١٥" والسخاوي في "المقاصد الحسنة"، "ص ١٠٥": "رجاله رجال الصحيح".
قلت: ابن عجلان فيه كلام يسير لا يضر إن شاء الله تعالى.
وذكره مالك في "الموطأ" "٢/ ٩٠٤" بلاغا، وقال ابن عبد البر: "وهو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره
مرفوعا".
وأخرجه بلفظ المصنف الطبراني في "مكارم الأخلاق" "رقم ١١٩" من حديث جابر بسند ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>