للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتِدْعَاءً لِلْحُضُورِ، وَلَوْ أَتْبَعَهَا نَافِلَةً أَيْضًا، لَكَانَ خَلِيقًا بِاسْتِصْحَابِ الْحُضُورِ فِي الْفَرِيضَةِ.

وَمِنَ١ الِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ أَنْ جُعِلَتْ أَجْزَاءُ الصَّلَاةِ غَيْرَ خَالِيَةٍ مِنْ ذِكْرٍ مَقْرُونٍ بِعَمَلٍ، لِيَكُونَ اللِّسَانُ وَالْجَوَارِحُ مُتَطَابِقَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْحُضُورُ مَعَ اللَّهِ فِيهَا بِالِاسْتِكَانَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ وَالِانْقِيَادِ، وَلَمْ يَخْلُ مَوْضِعٌ مِنَ الصَّلَاةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ فَتْحًا لِبَابِ الْغَفْلَةِ وَدُخُولِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ.

فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْمُكَمِّلَاتِ الدَّائِرَةَ حَوْلَ حِمَى الضَّرُورِيِّ خَادِمَةٌ لَهُ وَمُقَوِّيَةٌ لِجَانِبِهِ، فَلَوْ خَلَتْ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَنْ أَكْثَرِهِ، لَكَانَ خَلَلًا فِيهَا، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يَجْرِي سَائِرُ الضَّرُورِيَّاتِ مَعَ مُكَمِّلَاتِهَا لِمَنِ اعْتَبَرَهَا.

بَيَانُ الْخَامِسِ: ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الضَّرُورِيُّ قَدْ يَخْتَلُّ بِاخْتِلَالِ مُكَمِّلَاتِهِ، كَانَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا لِأَجْلِهِ مَطْلُوبَةً؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ زِينَةً لَا يَظْهَرُ حُسْنُهُ إِلَّا بِهَا، كَانَ مِنَ الْأَحَقِّ أَنْ لَا يُخِلَّ بِهَا.

وَبِهَذَا كُلِّهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ فِي الْمَطَالِبِ الثَّلَاثَةِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا وَهُوَ قِسْمُ الضَّرُورِيَّاتِ، وَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ مُرَاعًى فِي كُلِّ مِلَّةٍ، بِحَيْثُ لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ الْمِلَلُ كَمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْفُرُوعِ، فَهِيَ أُصُولُ الدين، وقواعد الشريعة، وكليات الملة.


١ كذا في "ط"، وفي غيره: "وفي".

<<  <  ج: ص:  >  >>