للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٥] ، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الْمُلْكِ:٢] ، وَمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ" ١، فَلِهَذَا لَمْ يَخْلُصْ فِي الدُّنْيَا لِأَحَدٍ جِهَةٌ خَالِيَةٌ مِنْ شَرِكَةِ الْجِهَةِ الْأُخْرَى.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ الرَّاجِعَةُ إِلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا تُفْهَمُ عَلَى مُقْتَضَى مَا غَلَبَ، فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ جِهَةَ الْمَصْلَحَةِ، فَهِيَ الْمَصْلَحَةُ الْمَفْهُومَةُ عُرْفًا، وَإِذَا غَلَبَتِ الْجِهَةُ الْأُخْرَى، فَهِيَ الْمَفْسَدَةُ الْمَفْهُومَةُ عُرْفًا، وَلِذَلِكَ كَانَ الْفِعْلُ ذُو الْوَجْهَيْنِ مَنْسُوبًا إِلَى الْجِهَةِ الرَّاجِحَةِ، فَإِنْ رَجَحَتِ الْمَصْلَحَةُ، فَمَطْلُوبٌ، وَيُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ مَصْلَحَةٌ، وَإِذَا غَلَبَتْ جِهَةُ الْمَفْسَدَةِ، فَمَهْرُوبٌ عَنْهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ٢ مَفْسَدَةٌ، [وَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ عَلَى تساوٍ، فَلَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ أَوْ مَفْسَدَةٌ] عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَاتُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ مُقْتَضَى الْعَادَاتِ، فَلَهُ نِسْبَةٌ أُخْرَى٣ وَقِسْمَةٌ غَيْرُ هذه [القسمة] ٤.


١ أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات، ١١/ ٣٢٠/ رقم ٦٤٨٧"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب منه، ٤/ ٢١٧٤/ رقم ٢٨٢٣"من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال "خ" تعقيبًا على الحديث: "طبعت النفوس على داعية حب الراحة والانغماس في اللذائذ ولكن المعالي والشرف لا تنال إلا باقتحام مصاعب هذه الحياة والخوض في معامع الأخطار، فسعادة الأرواح تكون على قدر ما تحتمل من المتاعب وتقاسيه من آلام مخالفة الهوى، وقد رسم الشارع لها في هذا السبيل حدودًا حجر عليها أن تتعداها، وفوض ما يعدو ذلك إلى همم المكلفين ليتسابقوا في مغالبة الدواعي الزائغة ومصارعه ما يلاقونه من الشدائد".
٢ في "خ" ونسخة "ماء/ ص ١٢٥": "إنما".
٣ وهي غير ما يأتي الكلام عليها في الفصل بعده؛ لأنه باعتبار تعلق الخطاب لا من حيث مواقع الوجود. "د".
٤ ما بين المعقوفتين زيادة من "ط" و"د".

<<  <  ج: ص:  >  >>