للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبِهِ١ يُوصَلُ إِلَى عِلْمِ مَا أُودِعَ مِنَ الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغيره مَا هُوَ أَدَاةٌ لَهُ، ضَلَّ عَنْ فَهْمِهِ، وتقوَّل عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ:

- وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ مِنِ اتِّبَاعِ مَعْهُودِ الْأُمِّيِّينَ، وَهُمُ الْعَرَبُ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَرَبِ فِي لِسَانِهِمْ عُرْفٌ مُسْتَمِرٌّ، فَلَا يَصِحُّ الْعُدُولُ عَنْهُ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عُرْفٌ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْرَى فِي فَهْمِهَا عَلَى مَا لَا تَعْرِفُهُ٢.

وَهَذَا جارٍ فِي الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسَالِيبِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْهُودَ الْعَرَبِ أَنْ لَا تَرَى الْأَلْفَاظَ تَعَبُّدًا عِنْدَ مُحَافَظَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي، وَإِنْ كَانَتْ تُرَاعِيهَا أَيْضًا، فَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهَا بِمُلْتَزَمٍ، بَلْ قَدْ تَبْنِي عَلَى أَحَدِهِمَا مَرَّةً، وَعَلَى الْآخَرِ أُخْرَى، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي صِحَّةِ كَلَامِهَا وَاسْتِقَامَتِهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءُ:

أَحَدُهَا:

خُرُوجُهَا٣ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهَا عَنْ أَحْكَامِ الْقَوَانِينِ الْمُطَّرِدَةِ وَالضَّوَابِطِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَجَرَيَانُهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَنْثُورِهَا عَلَى طَرِيقِ مَنْظُومِهَا٤، وإن


١ في الأصل: "فيه".
٢ انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٢٥/ ١٦٨"، والاعتصام" "٢/ ٢٩٧"، و"تفسير ابن جرير" "١/ ٧- المقدمة"، و"الرسالة" "ص٥١، ٥٢، ٥٤، ٥٥، ٥٦، ٥٧"، و"مختصر الصواعق المرسلة" "١/ ١٥"، و"الإبانة" "ص٥٤- جامعة الإمام".
٣ أي: فيصح أن يجري ذلك في القرآن، ولكن بشرط أن لا يكون شاذًّا ونادرًا يخل بالفصاحة، فإن هذا -وإن كان جاريا في كلام العرب- لا يصح أن يقال به في الكتاب "د".
٤ أي: في تجويز مخالفات للقياس المطرد، كصرف ما لا ينصرف، ومد المقصور وعكسيه، مع أنه أجيز في الشعر لضرورة الوزن ولا توجد ضرورة في النثر لمثله، فقوله: "وجريانها" عطف خاص على عام للبيان. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>