للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} ، "لَنُبَوِّينَّهُمْ١ [مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا] ٢" [العنكبوت: ٥٨] .

إِلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذَا٣ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بِحَسَبِ فَهْمِ مَا أُرِيدَ مِنَ الْخِطَابِ، وَهَذَا كَانَ عَادَةَ الْعَرَبِ.

أَلَا تَرَى مَا حَكَى ابْنُ جِنِّي٤ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ٥ أَيْضًا، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا الرُّمَّةِ يُنْشِدُ:

وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ يَابِسِ الشَّخْتِ وَاسْتَعِنْ ... عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لها سترا٦

فقلت: أنشدني: "من بائس"، فقال: "يابس" و"بائس" وَاحِدٌ.

فَأَنْتَ تَرَى ذَا الرُّمَّةِ لَمْ يَعْبَأْ بِالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْبُؤْسِ وَالْيُبْسِ، لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْبَيْتِ قَائِمًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَصَوَابًا عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَحْوَلِ: "الْبُؤْسُ وَالْيُبْسُ وَاحِدٌ"، يَعْنِي: بِحَسَبِ قَصْدِ الكلام لا بحسب تفسير اللغة٧.


١ بالثاء المثلثة على ما قرأها حمزة والكسائي كما في "السبعة" "٥٠٢"، وكذا في الأصل و"ط".
٢ في "خ": "لنبوينهم"، وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
٣ كما في قوله تعالى: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ، بكسر اللام للتعليل أو بفتحها على أنها فارقة. "د".
٤ في "الخصائص" "٢/ ٤٦٩- ط العراقية"
٥ في "ط": "وحكاه غيره"
٦ الشخت: الحطب الدقيق، ولم أر تعليقا على البيت في كتب الأدب، ويلوح أن الضمائر المؤنثة في البيت كناية عن النار يذكيها البدوي بالوقود ويستعين على إشعالها بالريح، ثم يجلس إليها للاصطلاء وتدفئة يديه وأطرافه من البرد. "د".
قلت: والبيت في "ديوانه" "١٧٦"،وله رواية أخرى في "اللسان" "مادة فوت"
٧ فمادة البؤس تدور على الشدة من الشجاعة وغيرها، ومادة اليبس تدور على الجفاف بعد الرطوبة ويلزمها الشدة ضد اللين، فهما متغايران متلازمان. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>