للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِجَارَةِ الأَرَضِينَ)، ومرَّ بلفظ (كِرَاء الأَرَضين)، وهما عند الجمهور بمعنًى خلافًا للمالكية كما سبق.

قوله: (قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُؤَاجِرْهَا"، فَهَذِهِ هِيَ جُمْلَةُ الأَحَادِيثِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَ الأرْضِ) (١).

(فَلْيَزْرَعْهَا)، أيْ: بنفسه أو مَنْ معه ممَّن هم تحت إمرته، (أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُؤَاجِرْهَا)، فإما أن يمنحه إياها، أو أن يُشْركه معه فيها، هذا هو الأصل.

لكن هذا القول يضيق واسعًا، فليس كل أحد يستطع أن يزرع أرضه أو أن يجد مَنْ يعينه على زراعة أرضه، وقد يؤدي إلى تعطيل الأراضي عن زراعتها، والانتفاع بها.

قوله: (وَقَالُوا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ المَعْنَى: إِنَّهُ لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ أَنْ يُصِيبَ الزَّرْعَ جَائِحَةٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ قَحْطٍ، أَوْ غَرَقٍ، فَيَكُونُ قَدْ لَزِمَهُ كِرَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).

فَهَذا ما استدلَّ به أصحاب هذا القول من المعقول، فقالوا: (لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الغَرَرِ)، فقد تصيبها آفةٌ من مطر أو حرق أو غيره فتصبح جائحة، ولا ينتفع المستأجر منها بشيءٍ، وهذا غرر، لكن سبق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى بوضع الجوائح (٢)، وحضَّ على ذلك.


(١) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٣/ ٣٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٥٥٤) ولفظه عن جابر: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح".

<<  <  ج: ص:  >  >>