للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَنْ صَحَّحَهَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا تَتِمُّ بِهِ صِنَاعَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحِفْظِ وَالنَّظَرِ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ، فَيَقَعُ الِاشْتِرَاكُ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي عَيْنِ الْعَمَلِ.

وَأَمَّا شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ: فَفِيهَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الدَّلَّالَ وَكِيلُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فِي بَيْعِهَا، فَإِذَا شَارَكَ غَيْرَهُ فِي بَيْعِهَا كَانَ تَوْكِيلًا لَهُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ: لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ: صَحَّتْ. فَعَلَى وَالِي الْحِسْبَةِ: أَنْ يَعْرِفَ هَذِهِ الْأُمُورَ، وَيُرَاعِيَهَا، وَيُرَاعِيَ مَصَالِحَ النَّاسِ، وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ذَهَبَ مَا هُنَالِكَ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ إذَا مُنِعَ الْقَسَّامُونَ وَنَحْوُهُمْ مِنْ الشَّرِكَةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ التَّوَاطُؤِ عَلَى إغْلَاءِ الْأُجْرَةِ، فَمَنْعُ الْبَائِعِينَ الَّذِينَ تَوَاطَئُوا عَلَى أَلَّا يَبِيعُوا إلَّا بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَكَذَلِكَ يَمْنَعُ وَالِي الْحِسْبَةِ الْمُشْتَرِينَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي شَيْءٍ لَا يَشْتَرِيهِ غَيْرُهُمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ظُلْمِ الْبَائِعِ. وَأَيْضًا: فَإِذَا كَانَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَشْتَرِي نَوْعًا مِنْ السِّلَعِ أَوْ تَبِيعُهَا: قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ يَهْضِمُوا مَا يَشْتَرُونَهُ، فَيَشْتَرُوهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَبِيعُوا مَا يَبِيعُونَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَقْتَسِمُوا مَا يَشْتَرِكُونَ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ: كَانَ إقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُعَاوَنَةً لَهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] .

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ إثْمًا وَعُدْوَانًا مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَمِنْ النَّجْشِ.

[فَصَلِّ فِي حَاجَة النَّاسُ إلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ كَالْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

١٠٤ - (فَصْلٌ)

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ - كَالْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ: أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِذَلِكَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ

مَصْلَحَةُ النَّاسِ

إلَّا بِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: إنَّ تَعَلُّمَ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ تَجْهِيزُ الْمَوْتَى وَدَفْنُهُمْ، وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْأُمَّةِ إلَّا بِهَا.

وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَلَّى أَمْرَ مَا يَلِيهِ بِنَفْسِهِ، وَيُوَلِّي فِيمَا بَعُدَ عَنْهُ، كَمَا وَلَّى عَلَى مَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ، وَعَلَى الطَّائِفِ: عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ، وَعَلَى قُرَى عُرَيْنَةَ: خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَبَعَثَ عَلِيًّا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى الْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُؤَمِّرُ عَلَى السَّرَايَا، وَيَبْعَثُ السُّعَاةَ عَلَى الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ، فَيَأْخُذُونَهَا مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُونَهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا، فَيَرْجِعُ السَّاعِي إلَى الْمَدِينَةِ

<<  <   >  >>