حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ فَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاذٍ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ لَا وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ سُمِّيَ، كَيْفَ وَشُهْرَةُ أَصْحَابِ مُعَاذٍ بِالْعِلْمِ وَالدَّيْنِ وَالْفَضْلِ وَالصِّدْقِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَخْفَى؟ وَلَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِهِ مُتَّهَمٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا مَجْرُوحٌ، بَلْ أَصْحَابُهُ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارِهِمْ، لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فِي ذَلِكَ، كَيْفَ وَشُعْبَةُ حَامِلُ لِوَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: إذَا رَأَيْتَ شُعْبَةَ فِي إسْنَادِ حَدِيثٍ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ، وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ، عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَقَلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ، كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ «، هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ، وَقَوْلِهِ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ» ، وَقَوْلِهِ: «الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ» ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ، وَلَكِنْ لَمَّا تَلَقَّتْهَا الْكَافَّةُ عَنْ الْكَافَّةِ غَنُوا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا، فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنُوا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ جَوَّزَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ وَجَعَلَ لَهُ عَلَى خَطَئِهِ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ أَجْرًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قَصْدُهُ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ وَاتِّبَاعَهُ.
[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]
فَصْلٌ:
[كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ] وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْتَهِدُونَ فِي النَّوَازِلِ، وَيَقِيسُونَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ عَلَى بَعْضٍ، وَيَعْتَبِرُونَ النَّظِيرَ بِنَظِيرِهِ.
قَالَ أَسَدُ بْنُ مُوسَى: ثنا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - فِي الْجَنَّةِ: كُلُّ قَوْمٍ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُزْرُونَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيُعْرَفُ الْحَقُّ بِالْمُقَايَسَةِ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا، وَرَفْعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَقَدْ اجْتَهَدَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ، كَمَا أَمَرَهُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاجْتَهَدَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ سُرْعَةَ النُّهُوضِ، فَنَظَرُوا إلَى الْمَعْنَى، وَاجْتَهَدَ آخَرُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute