عَلِمَ بِصُورَةِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ مَتَى جَحَدَهُ الْبَيْعَ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ بِالْإِقْرَارِ الَّذِي يُظْهِرُهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ جُحُودِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَمْسَكَ وَلَدَ غَيْرِهِ؛ لِيَقْتُلَهُ فَظَفِرَ هُوَ بِوَلَدِهِ قَبْلَ الْقَتْلِ فَأَمْسَكَهُ، وَأَرَاهُ أَنَّهُ إنْ قَتَلَ وَلَدَهُ قَتَلَ هُوَ وَلَدَهُ أَيْضًا، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ لَا يُقِرَّ لَهُ بِالْمَالِ وَيُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ يَتَوَاطَآنِ عَلَيْهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبْدَأَ السَّيِّدُ فَيَبِيعَ الْعَبْدَ لِأَجْنَبِيٍّ فِي السِّرِّ، وَيُشْهِدَ عَلَى بَيْعِهِ، ثُمَّ يَبِيعَ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا قَبَضَ الْمَالَ فَأَظْهَرَ الْعَبْدُ إقْرَارًا بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ أَظْهَرَ السَّيِّدُ أَنَّ بَيْعَهُ لِنَفْسِهِ كَانَ بَاطِلًا، وَأَنَّ فُلَانًا الْأَجْنَبِيَّ قَدْ اشْتَرَاهُ، فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ عِتْقَهُ يَبْطُلُ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ امْتَنَعَ مِنْ التَّحَيُّلِ عَلَى إخْرَاجِ مَالِ السَّيِّدِ عَنْهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْحِيلَةِ إذَا أَرَادَ ظَالِمٌ أَخْذَ دَارِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِمَنْ يَثِقُ بِهِ، ثُمَّ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ يُظْهِرَ أَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدِهِ حَاكِمٌ يَرَى صِحَّةَ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَصِحَّةَ اسْتِثْنَاءِ الْغَلَّةِ لَهُ وَحْدَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَصِحَّةَ وَقْفِهِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ.
[الْحِيَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]
وَحِيَلُ هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: حِيلَةٌ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ وَالْمَكْرِ حَتَّى لَا يَقَعَ، وَحِيلَةٌ عَلَى رَفْعِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَحِيلَةٌ عَلَى مُقَابَلَتِهِ بِمِثْلِهِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ؛ فَالنَّوْعَانِ الْأَوَّلَانِ جَائِزَانِ، وَفِي الثَّالِثِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا بِالْمَنْعِ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ حَرَامًا لِحَقِّ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ، كَمَا لَوْ جَرَّعَهُ الْخَمْرَ أَوْ زَنَى بِحُرْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا؛ لِكَوْنِهِ ظُلْمًا لَهُ فِي مَالِهِ، وَقَدَرَ عَلَى ظُلْمِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ، وَقَدْ تَوَسَّعَ فِيهَا قَوْمٌ حَتَّى أَفْرَطُوا وَجَوَّزُوا قَلْعَ الْبَابِ، وَنَقْبَ الْحَائِطِ وَخَرْقَ السَّقْفِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِمُقَابَلَتِهِ بِأَخْذِ نَظِيرِ مَالِهِ، وَمَنَعَهَا قَوْمٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّهِ إلَّا بِإِعْلَامِهِ بِهِ، وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ وَقَالُوا: إنْ كَانَ سَبَبُ الْحَقِّ ظَاهِرًا كَالزَّوْجِيَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ الْمُوجِبِ لِلْإِنْفَاقِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِإِعْلَامِهِ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ السُّنَّةُ دَلَالَةً صَرِيحَةً؛ وَالْقَائِلُونَ بِهِ أَسْعَدُ بِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَإِنْ كَانَ بَهْتًا لَهُ وَكَذِبًا عَلَيْهِ أَوْ قَذْفًا لَهُ أَوْ شَهَادَةً عَلَيْهِ بِالزُّورِ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute