للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رواية مسلم عن أنس عن عتبان.

وكذا في رواية الطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه، قال أحمد بن صالح: (وهو الصواب)، أفاده إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(فقال بعضهم)؛ أي: بعض القوم، وهم الصحابة، قيل: هو عتبان راوي الحديث، ونسب بعضهم هذا القول إلى ابن عبد البر، وهو غير ظاهر؛ لأنَّه قال: (لا يصح عن مالك النفاق، وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه).

وقال أيضًا: (لم يختلف في شهود مالك بدرًا، وهو الذي أَسَرَ سهيل بن عمرو)، ثم ساق بإسنادٍ حسن عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لمن تكلم فيه: «أليس قد شَهِدَ بدرًا؟».

وذكر ابن إسحاق في (المغازي) : (أن النبيَّ عليه السَّلام بعث مالكًا هذا، ومعن بن عدي، فحرقا مسجد الضرار)، فدل ذلك كله على أنه بريء مما اتهم به من النفاق.

فإن قلت: إذا كان كذلك؛ فكيف قال هذا القائل: (إنَّا نرى وجهه ونصيحته للمنافقين)؟

قلت: لعله (١) كان له عذر في ذلك، كما كان لحاطب بن أبي بلتعة، وهو أيضا ممن شهد بدرًا، ولعلَّ الذي قال ذلك بالنظر إلى الظاهر، ألا ترى أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كيف قال عند قوله هذا: «فإنَّ الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»، وهذا إنكار لقوله هذا.

ويجوز أن يكون اتهامه إياه بالنفاق غير نفاق الكفر، كذا قرره إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(ذلك) باللام؛ أي: ابن الدخشم، أو ابن الدخيشن، أو ابن الدخشن (منافق لا يحب الله ورسوله)؛ لأنَّه كان يَودُّ أهل النفاق، (فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) رادًّا على هذا القائل مقالته هذه: (لا تقل ذلك)؛ باللام، وفي رواية: (ذاك)؛ بدونها؛ أي: القول: بأنَّه منافق، (أَلا تَراه)؛ بفتح همزة (ألا) الاستفتاحية، وفتح مثناة (تَراه) الفوقية (قد قال: لا إله إلا الله)، وفي رواية أبي داود الطيالسي: (أما يقول: لا إله إلا الله)، وفي رواية مسلم: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله).

فإن قلت: لا بد من محمد رسول الله.

قلت: قال الكرماني: (هذا إشعار لكلمة الشهادة بتمامها).

قلت: هذا في حق المشرك، وأمَّا في حق غيره؛ فلا بد من ذلك، قاله إمام الشَّارحين؛ يعني: لا بد من ضميمة: محمد رسول الله عليه السَّلام، (يريد بذلك)؛ أي: بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله (وجه الله)؛ أي: ذات الله وحده، وهذه شهادة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالإيمان منه باطنًا، وبراءته من النفاق؛ كذا في «عمدة القاري».

قلت: فإن من قال كلمة الإخلاص لا بد أن يقولها مخلصًا لله تعالى؛ لأنَّه ليس لأحد التعرُّض له في عدمها من حيث إنَّه مخالط لأهل الإسلام في عبادتهم وشرائعهم ونحوها، لا سيما في زماننا من ترك كل ملة على ملتها، وعدم التعرُّض لها بسوء، وعلى هذا؛ فمن أظهر الإسلام وشعائره وفعل العبادات؛ فإنَّه يحكم عليه بالإسلام باطنًا وظاهرًا؛ لأنَّه ليس له في ذلك سبب موجب لدخوله في الإسلام حتى يكون نفاقًا، بل السبب: مرضاة الله عزَّ وجلَّ.

(قال) أي: الرجل القائل: (الله ورسوله أعلم)؛ أي: بقوله ذلك، وكأنَّه فهم من الاستفهام عدم الجزم بذلك، ولهذا (قال: فإنَّا نرى وجهه) أي: توجهه (ونصيحته للمنافقين)، وفي رواية الأصيلي: (إلى المنافقين).

زعم الكرماني فإن قلت: يقال: نصحت له لا إليه، قلت: قد ضمن معنى الانتهاء.

وزعم ابن حجر الظاهر أنَّ قوله: (إلى المنافقين) متعلق بقوله: «وجهه»، فهو الذي يتعدى بـ (إلى)، وأمَّا متعلق (ونصيحته)؛ فمحذوف للعِلم به.

وردَّ كلامهما إمام الشَّارحين حيث قال: (كل منهما لم يُمْعن على قانون العربية؛ لأنَّ قوله: «ونصيحته» عطف على قوله: «وجهه»، و «نصيحته» داخل في حكمه؛ لأنَّه تابع له، وكلمة «إلى» تتعلق بقوله: «وجهه»، ولا يحتاج إلى دعوى حذف متعلق المعطوف؛ لأنَّه يكتفى فيه بتعلق المعطوف عليه) انتهى؛ فافهم.

(قال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: (فقال) (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) رادًّا على هذا القائل مقالته هذه: (فإن الله قد حرَّم) بتشديد الراء المهملة (على النار من قال: لا إله إلا الله) هذا في حق المشرك، أمَّا في حق غيره؛ فلا بدَّ من ضميمة: محمد رسول الله عليه السَّلام، كما مر (يبتغي) أي: يطلب (بذلك) أي: بما قاله (وجه الله) عزَّ وجلَّ؛ أي: ذاته.

وفيه ردٌّ على المرجئة القائلين: (بأنَّه يكفي في الإيمان النطق فقط من غير اعتقاد).

والمراد بالتحريم هنا: تحريم الخلود؛ جمعًا بينه وبين ما ورد من دخول أهل المعاصي في النار، وتوفيقًا بين الأدلة.

وعن الزهري: (أنه نزلت بعد هذا الحديث فرائض وأمور نرى أنَّ الأمر انتهى إليها).

وعند الطبراني: (أنه من كلام عتبان).

وقال ابن الجوزي: (الصلوات الخمس فرضت بمكة قبل هذه القضية بمدة)

وظاهر (٢) الحديث يقتضي: أنَّ مجرد القول يدفع العذاب ولو ترك الصلاة.

والجواب: أنَّ من قالها مخلصًا؛ فإنَّه (٣) لا يترك العمل بالفرائض؛ إذ إخلاص القول حامل على أداء اللازم، أو أنه يحرم عليه خلوده فيها.

وقال ابن التين: (معناه: إذا غفر له وتقبل منه، أو يكون أراد: نار الكافرين، فإنَّها محرمة على المؤمنين، فإنَّها كما قال الداودي: «سبعة أدراك والمنافقون في الدرك الأسفل من النار مع إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه»)؛ كذا في «عمدة القاري».

وقوله: (قال ابن شهاب)؛ هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري، أحد رواة هذا الحديث، تعليق من المؤلف.

وزعم ابن حجر أنه مسند بالإسناد السابق قال: ووهم من قال: إنه تعليق).

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (قلت: ظاهره التعليق، فإنَّه قال: «قال ابن شهاب» بدون العطف على ما قبله) انتهى.

قلت: وهذا هو الظاهر، فإنَّه لو كان مُسْنَدًا؛ لأتى بحرف العطف، ولأن المؤلف قد


(١) في الأصل: (لعل)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) تكرر في الأصل: (وظاهر).
(٣) في الأصل: (لأنه)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>