للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثلاثين وأربعمائة وأخذ عن مشايخ كثيرين وكان له الخاطر العاطر والفهم الثاقب والفطنة البغدادية والبحث عن الغوامض والدقائق والتبريز في المناظرة على الأقران والتصانيف الكبار ومن طالع أو قرأ شيئًا من خواطره وواقعاته في كتابه المسمى بالفنون وهو مائتا مجلد عرف مقدار الرجل وكان رحمه الله عظيم الحرمة وافر الجلالة عند الخلفاء والملوك وكان شهمًا مقدامًا على الأكابر بالإنكار بلفظه وخطه ولما توفي الخليفة المستظهر غسله ابن عقيل مع البستي قال ابن عقيل ولما تولى المسترشد تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم قد طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات فقلت ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ثم مددت يدي فبسط يده الشريفة فصافحته بعد السلام وبايعته فقلت أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد بالله على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع وله الطاعة مني وكان ابن عقيل رحمه الله من أفاضل العالم وأذكياء بني آدم مفرط الذكاء متسع الدائرة في العلوم وكان خبيرًا بالكلام ذكر ابن الجوزي وغيره عنه أنه قال أنا أقطع بأن الصحابة

ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت قال الحافظ ضياء الدين المقدسي كتب بعضهم إلى أبي الوفا بن عقيل يقول له صف لي أصحاب الإمام أحمد على ما عرفت به من الأنصاف فكتب إليه يقول هم - قوم خشن تقلصت أخلاقهم عن المخالطة وغلظت طباعهم عن المداخلة وغلب عليهم الجد وقل عندهم الهزل وعزت نفوسهم عن ذل المراباة وفزعوا عن الآراء إلى الروايات وتمسكوا بالظاهر تخرجا عن التأويل وغلبت عليهم الأعمال الصالحة فلم يدققوا في العلوم الغامضة بل دققوا في الورع وأخذوا ما ظهر من العلوم وما وراء ذلك قالوا الله أعلم بما فيها خشية باريها ولم أحفظ على أحد منهم تشبيهًا إنما غلب عليهم التحري لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار من غير تأويل ولا إنكار والله يعلم أنني لا أعتقد في الإِسلام طائفة محقة خالية من البدع سوى من سلك هذا الطريق

<<  <   >  >>