للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- محمود صفوت الساعاتي١:

وهاك مثلًا لشاعرٍ استطاع بمواهبه أن يفصح عن شخصيته، وإن تراءت من بعيدٍ حائلة اللون، غير واضحة المعالم، تحاول جهدها أن تظهر من خلال هذه السدف الغليظة من التقاليد الموروثة في الشعر العربيّ, ولا سيما عصور الركة والانحلال, وقد أوتي حظًّا من اللسن والفصاحة فاستطاع أن يجيد في غير ما موضع من شعره، حتى ليعده بعضهم طليعةً للنهضة الحديثة، وممهدًا للطريق الذي سلكه الباردوي من بعد.

ولد الساعاتي بالقاهرة سنة ١٢٤١هـ-١٨٢٥م, وظلَّ بها إلى أن بلغ الثانية عشرة، ثم ارتحل إلى الإسكندرية فأقام بها ثمانية أعوام، ولم يدخل الساعاتي الأزهر كما دخله علي أبو النصر, وعلي الليثي، ومحمد شهاب، وعبد الله فكري, وغيرهم، بل يقال: إنه لم يتعلم النحو, وإنما استظهر ديوان المتنبي, وكثيرًا من أشعار القدماء فاستقام لسانه، وعظم مخزونه من الأدب، وقد ظهر تأثير المتنبي في شعره واضحًا، وكان بينه وبين النحاة مناقشات طويلة كما سنرى.

وكان تليمذًا للشيخ حسن قويدر، يغشى مجلسه, ويأخذ عنه الأدب، وكان الشيخ قويدر غنيًّا كريمًا، ومات سنة ١٨٤٥، وكانت سن الساعاتي حينئذ عشرين سنة، وهذا كل ما نعلمه عن ثقافة هذا الشاعر وحياته حتى هذه السن، وقد رثى الشيخ قودير بقصيدة مطلعها:

بكت عيون العلا وانحطت الرتب ... ومزقت شملها من حزنها الكتب

وفيها يقول: وقد حشاها بالمبالغات السخيفة، وهي ليست قوية النسج, مما يدل على أنها من أوائل ما نظم:


١ هو محمود صفوت بن مصطفى أغا الزيلع, الشهير بالساعاتي، والساعاتي لقب غلب عليه؛ لأنه مهر في إصلاح الساعات, ولا ندري على التحقيق أكان إصلاح الساعات حرفةً له أم هوايةً كما يقول بعضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>