للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان أغنى الشاعر عن هذه الضراعة والذلة, وهذا الإلحاح المشين في الطلب, وأغلب الظن أنه لم يكن يراه بهذا المنظار, وإنما يقتفي آثار الألى عبدوا له طريق المدح, والإلحاف في المسألة من لدن النابغة الذبياني حتى عصر إسماعيل، ولم يجد في قوله هذا ما يخل بالكرامة أو يشين المروءة، ونحن إنما نحكم عليه وعلى أمثاله من الذين طبعوا الشعر العربيّ بهذا الطابع؛ لأننا في عصرٍ تغيرت فيه قيم الأشياء، وصرنا نعتد بالأدب الشعبيّ القوميّ، وبالشعور الخاص، والعواطف الكامنة في نفس الأديب، ونجوى خياله وروحه، أكثر من التفاتنا إلى شعر المناسبات، والسير في ركاب العظماء، والتمدح بمناقب الأغنياء, ولكننا نتساءل: ألم يكن بمصر أمراء يكفون الشاعر لو تقرب منهم مؤنة هذا التسول؟ ولماذا قصر في مدح إسماعيل إذا لم يثبه سعيد على مديحه إياه ثوابًا يرضيه؟ وهل ثلاث قصائد تكفي في إسماعيل, وهو من هو حدبًا على الأدب والأدباء، وهو الذي أظل بعطفه العليين أبا نصر والليثي، هما دون الساعاتي قدرةً على النظم, ومتانة شعر, وسمو خيال, أيهما المقصر: إسماعيل إذ لم يضم إلى حاشيته وندمائه هذا الشاعر؟ أو الساعاتي إذ انصرف إلى مديح آل عون بمكة، واشتهر بإخلاصه لهم، وجعل شعره حبسًا عليهم إلّا القليل، ورأى أن باب إسماعيل قد سبقه إليه شاعران آخران, واحتلّا لدنه مكانةً ومقامًا؟ فلم يشأ أن يدع طريقًا عرفه، ونوالًا جربه وذاق حلاوته، وينافس آخرين في أمرٍ لا يعرف مصيره، فظلَّ على ولائه لآل عون يمدحهم في كل مناسبة: إذا غزوا، وإذا أبلوا من مرض، وإذا ولد لهم مولود، ويقول فيهم:

أحبهم ما دمت حيًّا ديانةً ... وأرغب لكن عن سواهم ترفعًا

وقد سار شعري بين شرق ومغرب ... فما اختيار غير البيت والآل موضعًا

وما طار في الآفاق بدعًا مديحهم ... ولكنه نشر زكي تضوعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>