للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يرى أنهم هم الذين أطلقوا لسانه بعطاياهم، وعلموه الشعر، ولولاهم ما نظم قصيدًا:

نظمت حالي ولولا سلك فضلكم ... ما كان قولي ولا فعلي بمتنظم

علمتني الحمد والشكر الجزيل على ... فعل الجميل بما توليه من نعم

ما كنت لولاكم أبغي الفوائد من ... نظم الفوائد في اسم ولا علم

وعلى الرغم من هذا الولاء، ومن دءوب الشاعر على مدحهم في كل مناسبة, وهو عنهم بعيد, فإنهم لم يستجيبوا لرجائه دعوته إليهم، ولعل للمنافسات التي كانت بين الشاعر، وبين بعض الحجازين١ أثرًا في هذه الجفوة، فقلما خلت حاشية أمير عظيم, سمح النفس, سخي اليد من أمثال هؤلاء الحساد لكلِّ من نال لديه حظوةً أو نبغ وقصروا, وما أمر المتنبي وسيف الدولة بمجهول، ولقد بلى


١ من المنافسين للشاعر في الحجاز, الشيح زين العابدين المكيّ، وكان نحويًّا، اعترض مرةً على قول الساعاتي:
وأبصرت في كف ابن عون مهندًا ... يرويه قرم بالضرب خبير
بأن الضراب في اللغة: النكاح، وليس فيه ضراب بمعنى الضرب، واحتج الشاعر مؤيدًا رأيه بقول الحارث بن ظالم المري:
وقومي إن سألت بني لؤي ... بمكة علموا الناس الضرابا
أقاموا للكتائب كل يوم ... سيوف المشرفية والحربا
واستشهد بقول المتنبي, وكان من الحفاظ لشعره:
وكل السيوف إذا طال الضراب بها ... يمسها غير سيف الدولة السأم
وقوله:
إنما بدر رزايا عطايا ... ومنابواه وطعان وضراب
وقوله:
بغيرك راعيًا عبث الذئاب ... وغيرك صارمًا ثلم الضراب
فأفحمه بهذا الاستشهاد, وفات المكيّ أن الضراب مصدر قياسيّ لضارب كقاتل وناضل، ولكنها حزازات النفوس تزل الحصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>