للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساعاتي بمثل ما بُلِيَ به المتنبي من هؤلاء النحاة الذين يحاولون الوقيعة بينه١ وبين ممدوحه, كما فعلوا مع أبي الطيب من قبل، لكنه انتصر عليهم في كل مرةٍ تعرضوا فيها لأدبه، وأغلب الظن أنهم لم يتركوه يهنأ بهذه المنزلة، وحاولوا جهدهم أن يزحزحوه عن مكانه، وفي ذلك يقول معرضًا بهم:

لا تعدلوا بالشعر كل معمم ... كالثور ذي القرنين بالإسكندر

ما كل من يملي القصيدة ناظم ... قد ينتمي للشعر من لم يشعر

لو كان فيهم شاعر لوقفت في ... ديوانه أدبًا، ولم أتكبر

يا آل محسن لم يزل إحسانكم ... يدع الدنيء على حماكم يجتري

بل يحاول أن يوقع بهم كما حاولوا الوقيعة به، وأن يفسر بغضهم له لإخلاصه لآل عون:

فما أبغضوا مثلي سدًى غير أنهم ... يعدون مدحي فيكم كالمأتم

ألم تر حسانًا ولى أسوة به ... وما كان يلقى من عد آل هاشم

إذا زعموا أني مع الفضل جاهل ... فقل لهم: هاتوا فصاحة عالم

فدعني من قول النحاة فإنهم ... تعدوا لصرف النطق في غير لازم

وما أنا إلّا شاعر ذو طبيعة ... ولست بسرَّاقٍ كبعض الأعاجم


١ من ذلك أنهم خطئوه في قوله يمدح الشريف, ويصف أعداءه بالجبن:
كأنهم فوق السوابق خرد ... لهن متون الصافنات جياد
بأن في ذلك انحطاطًا لمقدار من يقاومه حيث شبههم بنسوة، فكأنه انتصر على نساء لا على أبطال, ومكنته ذاكرة واعية لما استظهر من شعر المتنبي في الصغر من إفحامهم بقوله يمدح سيف الدولة.
فصبحهم وبسطهم حرير ... ومساهم وبسطهم تراب
ومن في كفه منهم قناة ... كمن في كفه منهم خضاب

<<  <  ج: ص:  >  >>