يصدق بالحق ويكذب بالباطل، وبالثانية يحب النافع ويبغض الضار. والله سبحانه خلق عباده على الفطرة التي فيها معرفة الحق والتصديق به، ومعرفة الباطل والتكذيب به، ومعرفة النافع والمحبة له، ومعرفة الضار والبغض له؛ فما كان حقا موجودا صدقت به الفطرة، وما كان حقا نافعا أحبته واطمأنت إليه، وذلك هو المعروف، وما كان باطلا معدوما كذبت به الفطرة وأبغضته وأنكرته، قال تعالى:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} ١.
والإنسان حارث همام، فهو دائم يهم ويعمل، لكن لا يعمل إلا لما يرجو به منفعة أو دفع مضرة؛ لكن قد يكون ذلك الرجاء مبنيا على اعتقاد باطل إما في نفس المقصود فلا يكون نافعا ولا ضارا، وإما في الوسيلة فلا يكون طريقا إليه، هذا جهل؛ وقد يعلم أن الشيء يضره ويفعله، ويعلم أنه ينفعه ويتركه، لأن ذلك العلم عارضه ما في نفسه من طلب لذة أخرى، أو دفع ألم آخر، فيكون جاهلا ظالما حيث قدم هذا على ذلك، ولهذا قال أبو العالية:"سألت أصحاب محمد عن قوله: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} فقالوا: كل من عصى الله فهو جاهل"، فإذا كان الإنسان لا يتحرك إلا لرجاء وإن كان راهبا لم يسع إلا بما يزيل ذلك، والرجاء لا يكون إلا بما يلقى في نفسه من الإيعاد للخير الذي هو طلب المحبوب وفوات المكروه. فكل بني آدم له اعتقاد، فيه تصديق بشيء، وتكذيب بشيء، وله قصد وإرادة لما يرجوه مما هو عنده محبوب ممكن الوصول إليه، والله خالق العبد ليصدق بالحق، ويقصد الخير فيرجوه بعمله، فإذا كذب بالحق، ولم يرج