للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَيِّد المَقَاطع. وكان النَّابِغَة جَزْلَ (a) الكَلَام، حَسَن الابْتِدَاءِ والمَقْطَع، تَعْرف في شعْره قُدرته على الشِّعْر، لَم يُخالِطْهُ ضعْفُ الحَدَاثَة. وكان امْرُؤ القَيْس شاعرَهُم الَّذي عَلَّم النَّاسَ الشِّعْرَ والمَدِيْحَ والهِجَاءَ بسَبْقِه إيَّاهُم، وإنَّهُ إنْ كان خارجًا من جَيِّدِ الشُّعَراءِ يَفُوقُهُم (b). وكان لطَرَفَةَ شيءٌ ليس بالكَثِيْر، وليس كما يَذْهَبُ إليه بعضُ النَّاسِ لحَدَاثَتِه، وكان لو مُتِّع بسِنٍّ حتَّى يَكْبُر (c) معه شِعْرُه كان خَلِيْقًا أنْ يَبلغُ المبالغ. وكان الأعْشَى يضَعُ لِسَانَهُ من الشِّعْر حيثُ شاءَ. وكان الحُطَيْئَةُ نَقِيَ الشِّعْر، قليلَ السَّقَط، حَسَنَ الكَلَام، مُشْرَبَهُ (d). وكان لَبيْدٌ وابن مُقْبِل يَجْريان مَجْرىً واحدًا في خُشُونَةِ الكَلَامِ وصُعُوبَتِه، وليس ذلك بمَحْمُود عند أهْل الشِّعْر، وأهْلُ العَرَبِيَّة يَشْتَهُونَهُ لكَثْرة غَرِيبْهِ، وليسَ يَجُودُ الشِّعْرُ عندَ أهْله حتَّى يكُونَ صاحبهُ يَقْدر على تَسْهيلِهِ وإيْضَاحِهِ (e). فإذا نَزَلْتَ عن هؤلاءِ بجَرِيْر (f) والفَرَزْدَق فهُما اللَّذانِ فَتَقَا الشِّعْرَ، وعَلمَّا النَّاسَ، وكادَا يكُونان خَاتِمي الشِّعْر. وكان ذُو الرُّمَّة شَيْخَ (g) الشِّعْر، يُشَبِّهُ فيُجِيْد ويُحْسِن، ولَمْ يكن هَجَّاءً ولا مَدَّاحًا، وليسَ الشَّاعر إلَّا مَنْ هَجَا فوَضَعَ، أو مَدَحَ فرَفَع كالحُطَيْئَة والأعْشَى فإنَّهُما كانا يَرْفعان ويَضَعَان، ثمّ قال الفَرَّاءُ: واللّهُ الرّافِعُ الوَاضِعُ.

وأنْبَأنَا الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عليّ (١)، قال: أنْبَأنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن نَبْهان، وأبو القَاسِم غَاِنِم بن مُحَمَّدْ بن عُبَيْدِ اللّه البُرْجِيّ، عن أبى عليّ بن شَاذَان، قال: أخْبَرنا أبو جَعفَر أحْمَد بن يَعْقُوبَ بن يُوسُف الأصْبهانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سَعيد الدِّمَشقيُّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن الحَسَن المَخْزُوميُّ،


(a) ب: حرك.
(b) تاريخ ابن عساكر: من حد الشعر يعرفهم.
(c) ابن عساكر: يكثر.
(d) ابن عساكر: مستويه.
(e) ب: وأيضًا، والنص متصل بما بعده.
(f) ابن عساكر: فجرير.
(g) ابن عساكر: مليح.

<<  <  ج: ص:  >  >>