للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَعْرَبنا، قال: فحَرْبٌ أنتُم أم سِلْم؟ قال: بل سِلْمٌ، قال: فما بالُ هذه الحُصُون؟ قال: بنيناها لنَحْبِس السَّفِيْهَ حتَّى نَنهاهُ بالحَلِيم (a).

قال: ومعه سَمُّ سَاعَةٍ يُقَلِّبُهُ في يَدِه، فقال له: ما هذا معَكَ؟ قال: هذا السُّمُّ، قال: فما تَصْنَعُ بهِ؟ قال: أتَيتُكَ فإنْ رأيْتُ عندَكَ ما يَسُرُّني وأهْلَ بَلَدِي حَمَدتُ الله، وإنْ كانت الأُخْرى لم أكُن أوَّل مَنْ سَاقَ إليهم ضَيْمًا وبلاءً فآكُلُه وأسْتَريح، وإِنَّما بقي من عُمريَ يَسِيْرٌ، فقال: هَاتهِ فوَضَعَهُ في يَد خَالِدٍ، فقال: بسمِ الله وباللهِ رَبّ الأرْض ورَبّ السَّماء، الّذي لا يَضُرُّ مع اسْمهِ دَاءٌ، ثمّ أكَلَهُ فتَجَلَّتْهُ غَشْيَةٌ فضَرَبَ بذَقَنهِ على صَدْره، ثمّ عَرِق وأفاقَ.

فرجَع ابنُ بُقَيْلَة إلى قَوْمِهِ، فقال: جئتُ من [عند] (b) شَيْطَانٍ أكَلَ سُمَّ سَاعةٍ فلَم يَضُرَّهُ! أخرجُوهُم عنكُم، فصَالَحُوهُم على مائةِ ألفٍ (c)، فقال له خَالِدٌ: ما أدْرَكْتَ؟ قال: أَدْرَكتُ سُفُنَ البَحْر تَرْقَأُ (d) إلينا في هذا الجُرْف، ورأيْتُ المَرْأةَ من أهْلِ الحِيْرَة تَخْرُج إلى الشَّام في قُرَى مُتَوَاترة ما تَزَوَّدُ رَغِيفًا، وقد أصْبَحَتْ خَرَابًا يَبَابًا، وكذلك دَأبُ اللهِ في العِبَادِ والبِلَادِ، وقال عَبْدُ المَسِيْح حين رجَعَ: [من الوافر]

أَبَعْدَ المُنْذِرَينِ أرَى سَوَامًا … يُرَوَّحُ (e) بالخَوَرْنَقِ والسَّديْرِ

تَحَامَاهَا فَوَارسُ كُلِّ حَيٍّ … مَخَافةَ ضَيْغَمٍ عالي الزَّئِيْرِ

وبَعْدَ فَوَارسِ النُّعْمانِ أرْعَى … رِيَاضًا بينَ ذرْوَةَ والحَفِيْرِ

فصِرْنا بعدَ هُلْكِ أبي قُبَيْسٍ … كَمِثْلِ الشَّاءِ في يَوْم المَطِيْرِ

تقَسَّمُهَا القَبَائِلُ مِن مَعَدٍّ … عَلَانِيةً كأيْسَارِ الجَزُورِ

وكُنَّا لا يُبَاحُ لنَا حَرِيْمٌ … فنَحْنُ كصَرَّة (f) النَّابِ الضَّجُورِ

كذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ … يُصَرِّفُ بالمسَاءَةِ والسُّرُورِ


(a) الجريري: ينهاه الحليم.
(b) إضافة من كتاب الجريري.
(c) عند الأزدي: مائة ألف درهم.
(d) الجريري: ترفأ.
(e) الجريري: تَرَوَّحُ.
(f) الجريري: كضرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>