للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها مَشْهَدُ النُّور، وهو بالقُرْبِ من باب قِنَّسْرِيْن في بُرْج من أسْوار حَلَب؛ فيما بين بُرْج الغَنَم وباب قِنَّسْرِيْن، قال لي عَمِّي أبو غَانِم مُحمَّد بن هِبَة اللّه بن أبي جَرَادَةَ: هذا مَشْهَد النُّور، إنَّما سُمِّيَ بذلكَ لأنَّهُ رُؤِيِ النُّور يَنْزِلُ عليه مِرارًا؛ قال: وكان ابن أبي نُمَيْر العَابِد يتَعَبَّدُ فيهِ، فاتَّفَق أنْ نَزَلَ مَلِكُ الرُّوم على حَلَب مُحاصِرًا لها، فجاء الحَلَبِيُّون إلى ابن أبىِ نُمَيْر العَابِد، فقالُوا: ادْعُ الله لنا أيُها الشَّيْخ، قال: فسَجَدَ على تُرْسٍ كان عندَهُ، ودَعَا اللّه تَعالَى، وسَأله دَفعْ العَدُوّ عن حَلَب، فرأى مَلِكُ الرُّوم في منامه تلكَ اللَّيْلة قائلًا يقُول له: ارْصَل عن هذه البَلْدَة، وإلَّا هَلَكت، أتَنْزِلُ عليها وفيها السَّاجدُ على التُرْس في ذلك البُرْج، وأشَار إلى البُرْج الّذي فيهِ مَشْهَد النُّوْر، فانْتَبه مَلِكُ الرُّوم، وذَكَرَ المنام لأصْحَابهِ، وصَالَح أهْل حَلَب، وقال: لا أرْحَل حتَّى تُعْلِمُوني مَنْ كان السَّاجِد على التُرْس فِى ذلك البُرْج، فكَشَفُوا عنه، فوصدُوه ابن أبي نُمير، ورَحَل مَلِكُ الرُّوم عن حَلَب.

وقال لي الوَزِير الأكْرَم أبو الحَسَن علىِّ بن يُوسُف القَفْطِيّ: مَشْهَد النُّور تَعْتَقِدُ فيه النُّصَيْرِيَّة اعْتِقَادًا عَظِيمًا ويَحُجُّونَ إليهِ.

وهذا ابنُ أبي نُمير هو أبو عُبَيْدِ اللّه عبد الرَّزَّاق بن عَبْد السَّلام بن عَبْد الوَاحِد في أبيِ نُمير العَابِد الأسَدِيّ، وكان من الأوْلِيَاء المَشْهُورين بالكَرَامَات، وَسَنَذَكُره في مَوضِعه (١) من هذا الكتاب إنْ شَاءَ اللّهُ تعالَى، وقَبْرُهُ خارج باب قِنَّسْرِيْن، يُزَار وتُنْذَر لَهُ النُّذُور إلى يَومنا هذا، وهو مَدْفُون في تُرْبَة بني أَمِين الدَّوْلَة ابن الرَّعْبَانِيّ، غَرْبيّ قَلْعَة الشَّريف والخَنْدَق. وقيل: إنَّهُ ما سُئل اللّه عنده حاجَة إلَّا قَضَاها.

وقال لي أبو بَكْر أحْمَد في عَبْد الرَّحِيْم بن العَجَمِيّ: يُقال لقَبْره سُمّ سَاعَة، لسُرعة الإجابة عندَهُ، يعني: إذا دَعَا الإنْسان عنده على عدُوِّه.


(١) في الضائع من أجزاء الكتاب، وكانت وفاته سنة ٤٢٥ هـ. أبو الفداء: اليواقيت والضرب ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>