للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في البَلَد. وأمّا القُضاة فكانوا خَرَجُوا مع الجَيْش. وباتَ النّاسَ ليلةَ الخَمِيس، ففي أول اللَّيل رأى النّاسُ نيرانَهُم وخِيَمهم، وفي آخره لم يروا لهم أثرًا، فأصبحَ النّاسُ بُكْرة الخَمِيس وقد اشتدَّ الأمرُ واضطربَ البلد، وغُلِقت الأبواب، وازدَحَم النّاس في القَلْعة، وهَرَب من قَدر، وخرجَ الشَّيخُ تقيّ الدِّين بُكْرة إلى جِهَتهم، ففُتِحَ له بابُ النَّصْر بمشقّة، وحصلَ له لومٌ من النّاس لكونه كانَ من موانع الجَفْل (١)، وبَقِيَ البلدُ لا مُتولِّي يه، والنّاسُ رِعاع، وغَلا السِّعْر حتى بيع الخُبْز ثلاث أواق بدِرْهم، وانحصَرَ النّاسُ فلا يَجْسُر أحد على الخُروج إلى بُستانه ولا مَزْرعته ولا دارِه" (٢).

وحينما أتى المؤلف على هزيمة التتار يوم الأحد الثالث من رمضان، قال: "وفي يوم الاثنين رابعه وصلَ النّاسُ من الكُسْوة، ودخلَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وأصحابُه بُكْرة النَّهار والنَّاسُ يهنّونهم ويَدْعون لهم" (٣).


(١) إنما خرج شيخ الإسلام ليشهد القتال بنفسه ومن معه، فظنوا أنه إنما خرج هاربًا فحصل اللوم من بعض الناس. وذكر الحافظ ابن كثير أن السلطان طلب منه أن يقف معه في معركة القتال، فقال له الشيخ: السّنّةُ أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم، وحَرَّضَ السلطان على القتال، وبشَّره بالنصر، وجعل يحلف له بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عيهم في هذه المرة، يقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. وأفتى الناسَ بالفطر مدّة قتالهم، وأفطر هو أيضًا، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوَّوا على القتال أفضل، فيأكل الناس، وكان يتأوَّل في الشاميين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكُم مُلاقُو العدوَّ غدًا، والفِطر أقْوى لكُم" فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري (الذي أخرجه مسلم ١١٢٠). البداية والنهاية ١٦/ ٢٦.
(٢) المقتفي ٤/ ١٢٣ - ١٢٥.
(٣) المقتفي ٤/ ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>