للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومن تلاعب الشيطان بهم: ما شددوه على أنفسهم فى باب الذبائح وغيرها، مما ليس له أصل عن موسى عليه السلام، ولا هو فى التوراة، وإنما هو من أوضاع الحاخاميم وآرائهم، وهم فقهاءهم.

ولقد كان لهذه الأمة فى قديم الزمان بالشام والعراق والمدائن مدراس وفقهاء كثيرون، وذلك فى زمن دولة البابليين والفرس، ودولة اليونان والروم، حتى فقهاؤهم فى بعض تلك الدول على تأليف المشنا والتلمود.

فأما المشنا فهو الكتاب الأصغر، ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة.

وأما التلمود فهو الكتاب الأكبر. ومبلغه نحو نصف حمل بغل لكبره.

ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه فى عصر واحد. وإنما ألفوه جيلا بعد جيل. فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه، وأن فى الزيادات المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه أدى إلى الخلل الذى لا يمكن سده، قطعوا الزيادة فيه، ومنعوا منها. وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه، وإضافة شيء آخر إليه، وحرموا من يضيف إليه شيئا آخر فوقف على ذلك المقدار.

وكانت أئمتهم قد حرموا عليهم فى هذين الكتابين مؤاكلة الأجانب، وهم من كان على غير ملتهم. فحرموا عليهم الأكل من ذبيحة من لم يكن على دينهم، لأن علماءهم علموا أن دينهم لا يبقى فى هذه الخلوة مع كونهم تحت الذل والعبودية، إلا أن يصدوهم عن مخالطة من هو على غير ملتهم. فحرموا عليهم الأكل من ذبائحهم، ومناكحتهم. ولم يمكن تقرير ذلك إلا بحجة يبتدعونها من أنفسهم، ويكذبون بها على الله تعالى. لأن التوراة إنما حرمت

<<  <  ج: ص:  >  >>