للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تلك الترهات التى ألفها الحاخاميم، وهم فقهاؤهم، ونسبوها إلى التوراة وإلى موسى فإن القرائين اطرحوها كلها، وألقوها ولم يحرموا شيئا من الذبائح التى يتولون ذباحتها البتة، ولم يحرموا سوى لحم الجدى بلبن أمه فقط، مراعاة لنص التوراة:

"لا تنضج الجدى بلبن أمه" وليسوا بأصحاب قياس، بل أصحاب ظاهر فقط.

وأما الفرقة الثانية: فهم الربانون، وهم أصحاب القياس، وهم أكثر عددا من القرائين، وفيهم الحاخاميم المفترون على الله تعالى الكذب، الذين زعموا أن الله تعالى كان يخاطب جميعهم فى كل مسألة بالصوت، الذى يسمونه "بث قول".

وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم، لأن حاخاميمهم أوهموهم أن المأكولات إنما تحل للناس إن استعملوا فيها هذا العلم، الذى نسبوه إلى موسى عليه السلام وإلى الله تعالى، وأن سائر الأمم لا يعرفون هذا، وأنهم إنما شرفهم الله تعالى بهذا وأمثال ذلك من الترهات، فصار أحدهم ينظر من ليس على مذهبه وملته كما ينظر إلى الحيوان البهيم، وينظر مآكل الأمم وذبائحهم، كما ينظر إلى العذرة.

وهذا من كيد الشيطان لهم، ولعبه بهم، فإن الحاخاميم قصدا بذلك المبالغة فى مخالفتهم الأمم، والإزراء عليهم، ونسبتهم إلى قلة العلم، وأنهم اختصوا دون الأمم بهذه الآصار والأغلال، والتشديدات.

وكلما كان الحاخاميم فيهم أكثر تكلفا وأشد إصرا، وأكثر تحريما، قالوا: هذا هو العالم الربانى.

ومما دعاهم إلى التضييق والتشديد: أنهم مبددون فى شرق الأرض وغربها، فما من جماعة منهم فى بلدة إلا إذا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من بلاد بعيدة، يظهر لهم الخشونة فى دينهم والمبالغة فى الاحتياط، فإن كان من المتفقهة فهو يسرع فى إنكار أشياء عليهم، ويوهمهم التنزه عما هم عليهم، وينسبهم إلى قلة الدين، وينسب ما ينكره عليهم إلى مشايخه، وإلى أهل بلده،

<<  <  ج: ص:  >  >>