ويكون فى أكثر تلك الأشياء كاذبا، وقصده بذلك إما الرياسة عليهم، وإما تحصيل بعض مآربه منهم، ولا سيما إن أراد المقام عندهم.
فتراه أول ما ينزل بهم لا يأكل من أطعمتهم ولا من ذبائحهم، ويتأمل سكين ذابحهم، وينكر عليهم بعض أمره، ويقول: أنا لا آكل إلا من ذبيحة يدى، فتراهم معه فى عذاب، لا يزال ينكر عليهم المباح، ويوهمهم تحريمه بأشياء يخترعها، حتى لا يشكون فى ذلك.
فإن قدم عليهم قادم آخر، فخاف المقيم أن ينقض عليه القادم، تلقاه وأكرمه، وسعى فى موافقته وتصديقه، فيستحسن ما فعله الأول، ويقول لهم: لقد عظم الله تعالى ثواب فلان، إذ قوى ناموس الدين فى قلوب هذه الجماعة، وشد سياج الشرع عندهم، وإذا لقيه يظهر من مدحه وشكره والدعاء له ما يؤكد أمره.
وإن كان القادم الثانى منكرا لما جاء به الأول من التشديد والتضييق لم يقع عندهم بموقع، وينسبونه إما إلى الجهل، وإما إلى رقة الدين، لأنهم يعتقدون أن تضييق المعيشة، وتحريم الحلال، هو المبالغة فى الدين.
وهم أبدا يعتقدون الصواب والحق مع من يشدد ويضيق عليهم.
هذا إن كان القادم من فقهائهم.
فأما إن كانوا من عبادهم وأحبارهم فهناك ترى العجب العجاب من الناموس الذى يعتمد، والسنن التى يحدثها ويلحقها بالفرائض. فتراهم مسلمين له منقادين، وهو يحتلب درهم، ويجتلب درهمهم، حتى إذا بلغه أن يهوديا جلس على قارعة الطريق يوم السبت، أو اشترى لبنا من مسلم، تلبسه وسبه فى مجمع اليهود، وأباح عرضه ونسبه إلى قلة الدين.