ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة الغضبية: أنهم إذا رأوا الأمر أو النهى مما أمروا به أو نهوا عنه شاقا عليهم، طلبوا التخلص منه بوجوه الحيل. فإن أعيتهم الحيل قالوا: هذا كان علينا لما كان لنا الملك والرياسة.
فمن ذلك: أنهم إذا أقام أخوان فى موضع واحد، ومات أحدهما ولم يعقب ولدا، فلا تخرج امرأة الميت إلى رجل أجنبى، بل ولد حميها ينكحها. وأول ولد ممن ينكحها ينسب إلى أخيه الدارج. فإن أبى أن ينكحها خرجت مشتكية منه إلى مشيخة قومه، تقول: قد أبى ابن حمى أن يستبقى اسما لأخيه فى إسرائيل. ولم يرد نكاحى، فيحضره الحاكم هناك، ويكلفه أن يقف ويقول: ما أردت نكاحها. فتتناول المرأة نعله فيخرجه من رجله، وتمسكها بيدها وتبصق فى وجهه، وتنادى عليه: كذا فليصنع بالرجل الذى لا يبنى بيت أخيه، ويدعى فيما بعد بالمخلوع النعل وينبز بنوه ببنى مخلوع النعل.
هذا كله مفترض عليهم فيما يزعمون فى التوراة.
وفيه حكمة ملجئة للرجل إلى نكاح زوجة أخيه الدارج. فإنه إذا علم أن ذلك يناله إن لم ينكحها آثر نكاحها عليه. فإن كان مبغضا لها زاهداً فى نكاحها، أو كانت هى زاهدة فى نكاحه مبغضه له، استخرج له الفقهاء حيلة يتخلص بها منها وتتخلص منه، فيلزمونها الحضور عند الحاكم بمحضر من مشايخهم، ويلقنونها أن تقول: أبى ابن حمى أن يقيم لأخيه اسما فى إسرائيل، لم يرد نكاحى: فيلزمونها بالكذب عليه، لأنه أراد نكاحها وكرهته، وإذا لقنوها هذه الألفاظ قالتها، فيأمرونه بالكذب، وأن يقوم ويقول: ما أردت نكاحها. ولعل ذلك سؤله وأمنيته، فيأمرونه بأن يكذب، ولم يكفهم أن كذبوا عليه، وألزموه أن يكذب، حتى سلطوها على الإخراق به والبصاق فى وجهه. ويسمون هذه مسألة "البياما والجالوس".
وقد تقدم من التنبيه على حيلهم فى استباحتهم محارم الله تعالى بعض ما فيه كفاية.
فالقوم بيت الحيل والمكر، والخبث.
وقد كانوا يتنوعون فى عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأنواع الحيل والكيد والمكر عليه وعلى أصحابه، ويرد الله سبحانه وتعالى ذلك كله عليهم.
فتحيلوا عليه وأرادوا قتله مرارا والله تعالى ينجيه من كيدهم.