للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا قرن بينها وذكرا معًا، فعند ذلك يفترقان في المعنى فيراد بالإسلام الأعمال الظاهرة، ويراد بالإيمان الاعتقادات الباطنة.

والقول الأخير هو القول الذي تجتمع عليه النصوص الواردة في هذه المسألة، وهو أرجح الأقوال.

وقد تكلّم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى على هذه المسألة وأوضحها وبيّنها بيانًا شافيًا، فقال رحمه الله تعالى بعد ذكره لبعض النصوص التي ذكرتها سابقًا: "وأمَّا وجه الجمع بين هذه النصوص وبين حديث سؤال جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان، وتفريق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بينهما وإدخاله الأعمال في مسمَّى الإسلام دون الإيمان، فإنه يتضح بتقرير آصل وهو أن من الأسماء ما يكون شاملًا لمسمّيات متعدِّدة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الإسم بغيره صار دالًّا على بعض تلك المسمَّيات، والإسم المقرون له دال على باقيها، وهذا كإسم الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دلَّ أحد الإسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها، فهكذا اسم الإسلام والإيمان إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودلَّ بانفراده على ما يدلَّ عليه الآخر بانفراده، فإذا قرن بينهما دلَّ أحدهما على بعض ما يدلَّ عليه بانفراده ودلّ الآخر على الباقي، وقد صرّح بهذا جماعة من الأئمة".

قال أبو بكر الإسماعيلي (١) في رسالته إلى أهل الجبل، قال كثير


(١) هو الإمام الحافظ الحجّة شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي، قال ابن كثير عنه: "سمع الكثير وحدّث وخرّج وصنَّف فأفاد وأجاد، وأحسن الاعتقاد والانتقاد، صنَّف كتابًا على صحيح البخاري فيه فوائد كثيرة وعلوم غزيرة"، توفي سنة ٣٧١ هـ، رحمه الله تعالى.
الأنساب (١/ ٢٤٩)، والبداية والنهاية (١١/ ٣٣٤)، وطبقات الشافعية لابن هداية (ص ٩٥).

<<  <   >  >>